وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ... (145)
الدرك: بالجزم والفتح - لغتان، وهما واحد؛ يقال: للجنة درجات وغرفات، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وقيل: كلما كان أسفل - كان العذاب فيها أشد؛ ألا ترى أنه أخبر عنهم بقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)، فلو لم يكن من أسفل منهم في الدركات أشد عذابًا - لم يكن لقولهم: (نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ)، معنى؛ فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات - كان في العذاب أشد، واللَّه أعلم.
وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذكر [عبد المطلب وهشام بن المغيرة] (?) فقال: " هُما مِنْ أَدْنَى أَهْلِ النًارِ عَذَابًا، وَهُمَا فِي ضَحْضاع مِنَ النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا، وَأَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: فِي رِجْلَيهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلي بِهِمَا دِمَاغُهُ ".
وعن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: قال: الأدراك: توابيت من حديد تصمت عليهم في أسفل النار.
وقيل: إن العذاب في النار واحد في الظاهر، وهو مختلف في الحقيقة؛ وأيد ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)، لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم؛ كقوله: (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ)، سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفًا من العذاب؛ جزاء ما أضلوا، فأخبر أن لكل ضعفًا من الأئمة.
ثم لتخصيص المنافقين في الدرك الأسفل من النار دون سائر الكفرة وجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم كانوا يسعون في إفساد ضعفة المسلمين، ويشككونهم في دينهم، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان، وكان ذلك دأبهم وعادتهم؛ فاستوجبوا بذلك -