(141)

في المشركين، لم يلحقهم من العقوبة والمآثم؛ لأنهم لا يقدرون على منع المشركين عن الاستهزاء بآيات اللَّه والطعن فيها، ويقدرون على منع المنافقين عن ذلك؛ فشاركوهم في العقوبة فيما يقدرون على منعهم فلم يمنعوا، ورفع عنهم ذلك فيما لا يقدرون على دفعه.

وفيه دلالة أن من بلي بمنكر له قدرة التغيير على أهله، فلم يغير - أن يشاركهم في ذلك، أو إذا لم يكن له قدرة التغيير عليهم فلم يفارقهم، لكن أقام معهم - شاركهم أيضا في العقوبة؛ الواجب على كل من بُلي بذلك، وله قدرة التغيير عليهم - فعل، أي: أنكر عليهم وغيَّره، وإلا فارقهم؛ وإلا يُخاف أن يشاركهم في العقوبة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) الآية.

لأنهم كانوا معهم في السر والحقيقة، وإن كانوا يظهرون للمؤمنين الموافقة باللسان؛ فهذا يدل على أن الحقائق في العواقب هو ما يسر المرء ويضمر، ليس ما يظهر؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الظاهر في جميع الأحكام: في الأنكحة، والعقود كلها، وإظهار الإيمان لهم باللسان، لكنهم إذا أضمروا خلاف ما أظهروا - لم ينفعهم ذلك؛ دل أن الحقائق في العواقب ما يسر ويضمر، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ... (141)

يحتمل وجهين:

يحتمل: يتربصون الغنيمة والنصر، فإن كان الفتح للمؤمنين قالوا: (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الإيمان والأحكام كلها؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك فيها؛ كقوله - تعالى -: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الآية، وإذا كانت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقولهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا) الآية: كانوا بين المسلمين كعيون لهم؛ يخبرونهم عن عوراتهم، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين؛ فذلك مَنْعُهم من المؤمنين واستحواذهم عليهم، واللَّه أعلم.

ويحتمل: (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ)، يعني: أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015