من أنفسهم الموافقةَ للمؤمنين في الظاهر -فإنهم كانوا في الحقيقة- معهم؛ فهذا - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ).
قيل: قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ) على طرح الألف وأنها زائدة، أي: يبتغون بذلك من عندهم العزة.
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) وجهين:
يحتمل: العزة: المنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين.
ويحتمل: ليتعززوا بذلك.
والأصل: أن حرف الاستفهام كله من اللَّه - له حق الإيجاب، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام؛ إذ اللَّه عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم، جل عن ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
أي: والنصرة والقدرة، كله للَّهِ، من عنده يكون، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة، ليس من عند أُولَئِكَ الذين يطلبون منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ... (140)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) - هو ما ذكر في سورة الأنعام، وهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، ثم قال: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)؛ لأنه نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم إذا خاضوا في طعن القرآن وآيات اللَّه؛ فأخبر أن ليس لهم من حسابهم من شيء إذا قعدوا.
ثم قال في هذه الآية: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ): نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم، وأخبر أنهم إذا فعلوا ذلك يكونوا مثلهم؛ فهو - واللَّه أعلم - على النسخ: نسخ هذا الأول.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)