(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ): وعيد منه - عَزَّ وَجَلَّ - إياهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ (181) قيل: لما نزلت: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. . .) الآية، قالت اليهود: ربكم يستقرض منكم ونحن أغنياء. وليس في الآية بيان أن ذلك القول إنما قاله اليهود أو غيرهم من الكفرة، ولكن فيه أنهم قالوا ذلك؛ فلا ندري من قال ذلك، ولا يجوز أن يشار إلى أحد بعينه إلا ببيان، ثم يحتمل ذلك القول منهم وجوهًا:
يحتمل أن يكون قال ذلك أوائلهم؛ على ما قال في قتل الأنبياء - عليهم السلام - وهَؤُلَاءِ لم يَقْتُلُوا؛ ولكن إنما قتلهم أوائلهم، أضيف ذلك إليهم؛ رضاء منهم بصنيعهم؛ فعلى ذلك القول الذي قالوا يحتمل ما ذكرنا.
ويحتمل أن يكون هَؤُلَاءِ قالوا ذلك بحضرة أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبمشهدهم، أو قالوا ذلك في سر.
فإن قال ذلك أوائلهم؛ فإنه يحتمل وجهين:
يحتمل أن يكون اللَّه - تعالى - أعلم ذلك رسولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ تصبيرًا منه إياه وتسكينًا؛ ليصبر على أذى الكفار؛ حيث قالوا في اللَّه ما قالوا فكيف فيه؟! واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون ذلك ليكون ذلك آية من آيات رسالته.
وإن كانوا قالوا ذلك بحضرة أصحابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ففيه -أيضًا- وجهان:
أحدهما: ما ذكرنا من التسكين والتصبير على أذاهم.
والثاني: ليعلموا أن جميع ما يقولون محفوظ عليهم، ليس بغائب عنه، ولا غافل عنه؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ. . .) الآية، لكنه يؤخر ذلك إلى وقت.
وإن كانوا قالوا ذلك سرًا؛ ففيه -أيضًا- وجهان:
أحدهما: ما ذكرنا أن يكون آية من آيات النبوة؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك باللَّه، على علم منهم أنه لم يكن فيما بينهم من يُنْهِي الخبرَ إليه.
والثاني: خرج على التعزية له والتصبير على أذاهم.