ثم معنى قوله - تعالى -: (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)، و (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) - يحتمل وجهين:
أحدهما: لئلا يمنوا على الفقراء بما يتصدقون عليهم؛ إذ يعلمون أنه ليس بفقير ولا محتاج ليستقرض لفقره ولحاجته، وكل من أقرض آخر لا لحاجة له في ذلك القرض ولا فقر؛ ولكن ليكون ماله عنده محفوظًا في الشاهد - فإنه لا يَمُن الْمُقْرِضُ عليه؛ بل تكون المنة للذي عنده القرض على الْمُقْرِض؛ حيث يحفظ ماله في السفاتج؛ فعلى ذلك المال الذي يقرضون ويتصدقون على الفقراء، يكون محفوظًا عند اللَّه ليوم حاجتهم إليه؛ فلا منة تكون على الفقير، واللَّه أعلم.
والثاني: إنباء عن جوده وكرمه؛ لأن العبد وما في يده له، فلو أراد أن يأخذ جميع ما في يده لكان له ذلك، ثم يطلب منه ببدل يضاعف على ذلك.
والثالث: أن المولى في الشاهد إذا طلب من عبده القرض؛ يكون في ذلك شرف للعبد وعظم؛ فعلى ذلك اللَّه - تعالى - إذا طلب من عبده القرض، على علم منه في أنه غني بذاته، لا يجب أن يبخل عليه، وفي ذلك شرفه وعظمه، واللَّه أعلم.
وقوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ)، قال أهل التفسير: قالت اليهود، وذلك تنبيه بصنيعهم وشدة سفههم؛ حتى زعموا أن يد اللَّه مغلولة، لكن ليس في الآية بيان القائلين، ولا في النسبة إلى أحد تقع سوى خوف الكذب؛ لو لم يكن ذلك منه، لكنهم قالوه، والأغلب على مثله أن يكونوا قالوه سرا، يكون في إظهاره آية الرسالة، أو كانت الأوائل يقولون فيكون في ذلك ذلك؛ إذ لا يحتمل أن يُصْبَرَ لمثله: يقال بحضرة الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - إلا أن يكون في وقت أمروا بالكف؛ فيكون في ذلك بيان قدر طاعتهم لله، مع عظيم ما سمعوا من القول، وجملة ذلك أن في ذكر ذلك دعاء إلى الصبر على أذاهم وسوء قولهم؛ إذ هم مع تقلبهم في نعم اللَّه - تعالى - وعلمهم بأنهم لم ينالوا خيرًا إلا باللَّه - تعالى - اجترءوا عليه بمثل هذا القول، وبلغ عُتُوُّهُم هذا،