الريم ولد الظبى جمعه آرَامٌ، يَقُولُ: إِذَا ذَهَبَ فَوْجٌ جَاءَ فَوْجٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ (?) يَصِفُ امْرَأَةً تَنْتَقِلُ مِنْ مَنْزِلٍ فِي الشِّتَاءِ إِلَى مَنْزِلٍ فِي الصَّيْفِ دَأْبًا:
وَلَهَا بِالْمَاطِرُونَ إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا
خِلْفَةٌ حَتَّى إِذَا ارْتَبَعَتْ ... سَكَنَتْ مِنْ جَلَّقٍ بِيَعَا
فِي بُيُوتٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ ... حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا
قَالَ مُجَاهِدٌ:" خِلْفَةً" مِنَ الْخِلَافِ، هَذَا أَبْيَضُ وَهَذَا أَسْوَدُ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى. وَقِيلَ: يَتَعَاقَبَانِ فِي الضِّيَاءِ وَالظَّلَّامِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ذَوِي خِلْفَةٍ، أَيِ اخْتِلَافٍ. (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) أَيْ يَتَذَكَّرُ، فَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْهُ كَذَلِكَ عَبَثًا فَيَعْتَبِرُ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ، وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِي الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ وَالْفَهْمِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: مَعْنَاهُ من فاته شي مِنَ الْخَيْرِ بِاللَّيْلِ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، وَمَنْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي الصَّحِيحِ:" مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِاللَّيْلِ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ فَيُصَلِّي مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً". وَرَوَى مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَامَ عن حزبه أو عن شي مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ". الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سَمِعْتُ ذَا الشَّهِيدِ الْأَكْبَرَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَبْدَ حَيًّا عَالِمًا، وَبِذَلِكَ كَمَالُهُ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ آفَةَ النَّوْمِ وَضَرُورَةَ الْحَدَثِ وَنُقْصَانَ الْخِلْقَةِ، إِذِ الْكَمَالُ لِلْأَوَّلِ الْخَالِقِ، فَمَا أَمْكَنَ الرَّجُلَ مِنْ دَفْعِ النَّوْمِ بِقِلَّةِ الْأَكْلِ وَالسَّهَرِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ. وَمِنَ الْغَبْنِ الْعَظِيمِ أَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ سِتِّينَ سَنَةً يَنَامُ لَيْلَهَا فَيَذْهَبُ النِّصْفُ مِنْ عُمْرِهِ لَغْوًا، وَيَنَامُ سُدُسُ النَّهَارِ رَاحَةً فَيَذْهَبُ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى لَهُ مِنَ الْعُمُرِ عِشْرُونَ سَنَةً، وَمِنَ الْجَهَالَةِ وَالسَّفَاهَةِ أَنْ يُتْلِفَ الرَّجُلُ ثُلُثَيْ عُمْرِهِ فِي لَذَّةٍ فَانِيَةٍ، وَلَا يُتْلِفُ عُمْرَهُ بِسَهَرٍ فِي لَذَّةٍ بَاقِيَةٍ عِنْدَ الْغَنِيِّ الْوَفِيِّ الذي ليس بعديم ولا ظلوم.