الثَّالِثَةُ- الْأَشْيَاءُ لَا تَتَفَاضَلُ بِأَنْفُسِهَا، فَإِنَّ الْجَوَاهِرَ وَالْأَعْرَاضَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودِ مُتَمَاثِلَةٌ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّفَاضُلُ بِالصِّفَاتِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَفْضَلُ، اللَّيْلُ أَوِ النَّهَارُ. وَفِي الصَّوْمِ غُنْيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. قُلْتُ: وَاللَّيْلُ عَظِيمٌ قَدْرُهُ، أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقِيَامِهِ فَقَالَ:" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ"، وَقَالَ:" قُمِ اللَّيْلَ" عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِيَامِهِ فَقَالَ:" تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ". وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:" وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَفِيهِ سَاعَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَفِيهِ يَنْزِلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" حَسْبَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعَةُ- قَرَأَ حَمْزَةُ وَحْدَهُ:" يَذْكُرُ" بِسُكُونِ الذَّالِ وَضَمَّ الْكَافِّ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ وَثَّابٍ وَطَلْحَةَ وَالنَّخَعِيِّ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ" يَتَذَكَّرُ" بِزِيَادَةِ تَاءٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ:" يَذَّكَّرَ" بِتَشْدِيدِ الْكَافِ. وَيَذْكُرُ وَيَذَّكَّرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيلَ: مَعْنَى" يَذْكُرُ" بِالتَّخْفِيفِ أَيْ يَذْكُرُ مَا نَسِيَهُ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، أَوْ لِيَذْكُرَ تَنْزِيهَ اللَّهِ وَتَسْبِيحَهُ فِيهَا. (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) يُقَالُ: شَكَرَ يَشْكُرُ شُكْرًا وَشُكُورًا، مِثْلَ كَفَرَ يُكْفُرُ كفرا وكفورا. وهذا الشكور على أنهما جَعَلَهُمَا قِوَامًا لِمَعَاشِهِمْ. وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا:" وَمَا الرَّحْمنُ" قَالُوا: هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الأشياء.
وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) لَمَّا ذَكَرَ جَهَالَاتِ الْمُشْرِكِينَ وَطَعْنَهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالنُّبُوَّةَ ذَكَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَذَكَرَ صِفَاتِهُمْ، وَأَضَافَهُمْ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ تَشْرِيفًا لَهُمْ، كَمَا قَالَ:" سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ «1». فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَعَبَدَهُ وَشَغَلَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق