تفسير القرطبي (صفحة 4886)

[سورة الفرقان (25): آية 61]

تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أَيْ مَنَازِلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» ذِكْرُهَا. (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشَّمْسَ، نَظِيرُهُ،" وَجَعَلَ الشَّمْسَ «2» سِراجاً". وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ:" سِراجاً" بِالتَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" سُرُجًا" يُرِيدُونَ النُّجُومَ الْعِظَامَ الْوَقَّادَةَ. وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ السُّرُجَ النُّجُومُ، وَأَنَّ الْبُرُوجَ النُّجُومُ، فَيَجِيءُ الْمَعْنَى نُجُومًا وَنُجُومًا. النَّحَّاسُ: وَلَكِنَّ التَّأْوِيلَ لَهُمْ أَنَّ أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ قَالَ: السُّرُجُ النُّجُومُ الدَّرَارِيُّ. الثَّعْلَبِيُّ: كَالزَّهْرَةِ وَالْمُشْتَرَى وَزُحَلَ وَالسِّمَاكَيْنِ وَنَحْوِهَا. (وَقَمَراً مُنِيراً) يُنِيرُ الْأَرْضَ إِذَا طَلَعَ. وَرَوَى عِصْمَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ" وَقُمْرًا" بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ. وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِهِ قَالَ: لَا تَكْتُبُوا مَا يَحْكِيهِ عِصْمَةُ الَّذِي يَرْوِي الْقِرَاءَاتِ، وَقَدْ أُولِعَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ بِذِكْرِ مَا يَرْوِيهِ عصمة هذا.

[سورة الفرقان (25): آية 62]

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62)

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" خِلْفَةً" قَالَ أبو عبيدة: الخلفة كل شي بعد شي. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُخْلِفُ صَاحِبَهُ. وَيُقَالُ لِلْمَبْطُونِ: أَصَابَتْهُ خِلْفَةٌ، أَيْ قِيَامٌ وَقُعُودٌ يَخْلُفُ هَذَا ذَاكَ. وَمِنْهُ خِلْفَةُ النَّبَاتِ، وَهُوَ وَرَقٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْوَرَقِ الْأَوَّلِ فِي الصَّيْفِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:

بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ من كل مجثم «3»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015