خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أَيْ لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ. وَقِيلَ:" بِالْحَقِّ" أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَبَّدَ الْعِبَادَ بِالطَّاعَةِ وَأَنْ يُحْيِيَ الْخَلْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ. (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تقدر على خلق شي.
[سورة النحل (16): آية 4]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) لَمَّا ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى تَوْحِيدِهِ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْإِنْسَانَ وَمُنَاكَدَتَهُ وَتَعَدِّيَ طَوْرِهِ." والْإِنْسانَ" اسْمٌ لِلْجِنْسِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ فَقَالَ: أَتَرَى يُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا قَدْ رَمَّ. وَفِي هَذَا أَيْضًا نَزَلَ:" أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ" أَيْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ مَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، فَنَقَّلَهُ أَطْوَارًا إِلَى أَنْ وُلِدَ وَنَشَأَ بِحَيْثُ يُخَاصِمُ فِي الْأُمُورِ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ التَّعَجُّبُ مِنَ الْإِنْسَانِ" وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ»
" وقوله: (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) أَيْ مُخَاصِمٌ، كَالنَّسِيبِ بِمَعْنَى الْمُنَاسِبِ. أَيْ يُخَاصِمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي قدرته. و (مُبِينٌ) أَيْ ظَاهِرُ الْخُصُومَةِ. وَقِيلَ: يُبِينُ عَنْ نَفْسِهِ الْخُصُومَةَ بِالْبَاطِلِ. وَالْمُبِينُ: هُوَ الْمُفْصِحُ عَمَّا في ضميره بمنطقه.
[سورة النحل (16): آية 5]
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ) لَمَّا ذَكَرَ الْإِنْسَانَ ذَكَرَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ. وَالْأَنْعَامُ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: نَعَمٌ وَأَنْعَامٌ لِلْإِبِلِ، وَيُقَالُ لِلْمَجْمُوعِ وَلَا يُقَالُ لِلْغَنَمِ مفردة. قال حسان: