تفسير القرطبي (صفحة 3791)

[سورة النحل (16): آية 2]

يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (?)

قَرَأَ الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ" تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ" وَالْأَصْلُ تَتَنَزَّلُ، فَالْفِعْلُ مُسْنَدٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَالْأَعْمَشُ" تُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ" غَيْرُ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي بكر عن عاصم" تنزل الْمَلَائِكَةَ" بِالنُّونِ مُسَمَّى الْفَاعِلِ، الْبَاقُونَ" يُنَزِّلُ" بِالْيَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِلِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِاسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ" تُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ" بِالنُّونِ وَالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ" تَنْزِلُ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، مِنَ النُّزُولِ." الْمَلَائِكَةُ" رَفْعًا مِثْلَ" تَنَزَّلَ الْمَلَائِكَةُ «1» ". (بِالرُّوحِ) أَيْ بِالْوَحْيِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. نَظِيرُهُ" يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «2» ". الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: بِكَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: هُوَ بَيَانُ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. وَقِيلَ: أَرْوَاحُ الْخَلْقِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ رُوحٌ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرُّوحَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَصُوَرِ ابْنِ آدَمَ، لَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ بِالرَّحْمَةِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: بِالْهِدَايَةِ، لِأَنَّهَا تَحْيَا بِهَا الْقُلُوبُ كَمَا تَحْيَا بِالْأَرْوَاحِ الْأَبْدَانُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الرُّوحُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ حَيَاةً بِالْإِرْشَادِ إِلَى أَمْرِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الرُّوحُ هُنَا جِبْرِيلُ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ:" بِالرُّوحِ" بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِكَ: خَرَجَ بِثِيَابِهِ، أَيْ مَعَ ثِيَابِهِ. (مِنْ أَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ. (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أَيْ عَلَى الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ للنبوة. وهذا رد لقولهم:" لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «3» ". (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) تَحْذِيرٌ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْإِنْذَارُ، لِأَنَّ أَصْلَهُ التَّحْذِيرُ مِمَّا يُخَافُ منه. ودل على ذلك قوله:" فَاتَّقُونِ". و" أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِأَنْ أَنْذِرُوا أَهْلَ الْكُفْرِ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، ف" أن" فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِسُقُوطِ الْخَافِضِ أَوْ بِوُقُوعِ الإنذار عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015