تفسير القرطبي (صفحة 2461)

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ- اللَّامُ فِي قَوْلِهِ:" لَا نَشْتَرِي" جَوَابٌ لِقَوْلِهِ:" فَيُقْسِمانِ" لِأَنَّ أَقْسَمَ يَلْتَقِي بِمَا يَلْتَقِي بِهِ الْقَسَمُ، وَهُوَ" لَا" وَ" مَا" فِي النَّفْيِ،" وَإِنَّ" وَاللَّامُ فِي الْإِيجَابِ. وَالْهَاءُ فِي" بِهِ" عَائِدٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، الْمَعْنَى: لَا نَبِيعُ حَظَّنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْعَرَضِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَذُكِرَتْ عَلَى مَعْنَى الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ] فَأَعَادَ [الضَّمِيرَ] (?) عَلَى مَعْنَى الدَّعْوَةِ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ" (?). الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" ثَمَناً" قَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْمَعْنَى ذَا ثَمَنٍ أَيْ سِلْعَةً ذَا ثَمَنٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ هُوَ وَيَكُونُ السِّلْعَةَ، فَإِنَّ الثَّمَنَ عِنْدَنَا مُشْتَرًى كَمَا أَنَّ الْمَثْمُونَ مُشْتَرًى، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَبِيعَيْنِ ثَمَنًا وَمَثْمُونًا كَانَ الْبَيْعُ دَائِرًا عَلَى عَرَضٍ وَنَقْدٍ، أَوْ عَلَى عَرَضَيْنِ، أَوْ عَلَى نَقْدَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَنْبَنِي مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ هَلْ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ أَوْلَى بِهِ، وَبَنَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَقَالَ: يَكُونُ صَاحِبُهَا أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ دُونَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: صَاحِبُهَا أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ. تَمَسَّكَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْكُلِّيَّ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ، وَمَا بِأَيْدِيهِمَا مَحَلٌّ لِلْوَفَاءِ، فَيَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ بِقَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ السِّلَعِ مَوْجُودَةً أَوْ لَا، إِذْ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهَا وَوَجَبَتْ أَثْمَانُهَا لَهُمْ فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمُ إِلَا أَثْمَانُهَا أَوْ مَا وُجِدَ مِنْهَا. وَخَصَّصَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي هَذَا الْبَابِ رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ) أَيْ مَا أَعْلَمَنَا اللَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَفِيهَا سَبْعُ قِرَاءَاتٍ من أرادها وجدها في (التحصيل) (?) وغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015