تفسير القرطبي (صفحة 2460)

فِي تَحْلِيفِ الذِّمِّيِّينَ أَنَّهُ بِالْيَمِينِ تَكْمُلُ شَهَادَتُهُمَا وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِهَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ (?) هَذِهِ (?)، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [حَضَرَهُ] (?) يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ:] بِاللَّهِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ [فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ الرِّيبَةُ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الْآيَةَ مَنْسُوخَةً تَتَرَتَّبُ فِي الْخِيَانَةِ، وَفِي الِاتِّهَامِ بِالْمَيْلِ إِلَى بَعْضِ الْمُوصَى لَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَتَقَعُ مَعَ ذَلِكَ الْيَمِينُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْآيَةَ مَنْسُوخَةً فَلَا يَقَعُ تَحْلِيفٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الِارْتِيَابُ فِي خِيَانَةٍ أَوْ تَعَدٍّ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّعَدِّي، فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ عِنْدَهُ بِحَسَبِ الدَّعْوَى عَلَى مُنْكَرٍ لَا عَلَى أَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِلشَّهَادَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَمِينُ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا- مَا تَقَعُ الرِّيبَةُ فِيهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَتَوَجُّهِ الدَّعْوَى فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ. الثَّانِي- التُّهْمَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، وَلَهُ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ فِي كتب الفروع، وقد تحققت ها هنا الدَّعْوَى وَقَوِيَتْ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- الشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ:" إِنِ ارْتَبْتُمْ" يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ:" تَحْبِسُونَهُما" لَا بِقَوْلِهِ" فَيُقْسِمانِ" لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ سَبَبُ الْقَسَمِ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى) أَيْ يَقُولَانِ فِي يَمِينِهِمَا لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا عِوَضًا نَأْخُذُهُ بَدَلًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ وَلَا نَدْفَعُهُ إِلَى أَحَدٍ وَلَوْ كَانَ الَّذِي نَقْسِمُ لَهُ ذَا قُرْبَى مِنَّا. وَإِضْمَارُ الْقَوْلِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ:" وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ" (?)] الرعد: 24 - 23] أي يقولون سلام عليكم. والاشتراء ها هنا ليس بمعنى البيع، بل هو التحصيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015