تفسير القرطبي (صفحة 2462)

الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ الْآيَةُ أَعْضَلُ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْعَبُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْإِعْرَابِ قَوْلُهُ:" مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ". عَثَرَ عَلَى كَذَا أَيِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، يُقَالُ: عَثَرْتُ مِنْهُ عَلَى خِيَانَةٍ أَيِ اطَّلَعْتُ، وَأَعْثَرْتُ غَيْرِي عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ" (?)] الكهف: 21]. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَهُمْ وَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَوْضِعُهُمْ، وَأَصْلُ الْعُثُورِ الْوُقُوعُ وَالسُّقُوطُ عَلَى الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَثَرَ الرَّجُلُ يَعْثِرُ عُثُورًا إِذَا وَقَعَتْ إِصْبَعُهُ بِشَيْءٍ صَدَمَتْهُ، وَعَثَرَتْ إِصْبَعُ فُلَانٍ بِكَذَا إِذَا صَدَمَتْهُ فَأَصَابَتْهُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ. وَعَثَرَ الْفَرَسُ عِثَارًا قَالَ الْأَعْشَى:

بِذَاتِ (?) لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إِذَا عَثَرَتْ ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا

وَالْعَثْيَرُ الْغُبَارُ السَّاطِعُ، لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ، وَالْعَثْيَرُ الْأَثَرُ الْخَفِيُّ لِأَنَّهُ يُوقَعُ عَلَيْهِ مِنْ خَفَاءٍ. وَالضَّمِيرُ فِي" أَنَّهُمَا" يَعُودُ عَلَى الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذُكِرَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" اثْنانِ" عن سعيد ابن جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَ" اسْتَحَقَّا" أَيِ اسْتَوْجَبَا" إِثْماً" يَعْنِي بِالْخِيَانَةِ، وَأَخْذِهِمَا مَا لَيْسَ لَهُمَا، أَوْ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الْإِثْمُ هُنَا اسْمُ الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ، لِأَنَّ آخِذَهُ بِأَخْذِهِ آثِمٌ، فَسُمِّيَ إِثْمًا كَمَا سُمِّيَ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَظْلِمَةٌ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْمَظْلِمَةُ اسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ، فَكَذَلِكَ سُمِّيَ هَذَا الْمَأْخُوذُ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْجَامُ. الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) يَعْنِي فِي الْأَيْمَانِ أَوْ فِي الشَّهَادَةِ، وَقَالَ" آخَرانِ" بِحَسَبِ أَنَّ الْوَرَثَةَ كَانَا اثْنَيْنِ. وَارْتَفَعَ" آخَرانِ" بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ." يَقُومانِ" فِي مَوْضِعِ نَعْتٍ." مَقامَهُما" مَصْدَرٌ، وَتَقْدِيرُهُ: مَقَامًا مِثْلَ مَقَامِهِمَا، ثُمَّ أُقِيمَ النَّعْتُ مَقَامَ المنعوت، المضاف مَقَامَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ (?) الْأَوْلَيانِ) قَالَ ابْنُ السَّرِيِّ: الْمَعْنَى اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْإِيصَاءُ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لا يجعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015