الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) معطوف على ما قبله، و" أن" فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، أَيْ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمُ الِاسْتِقْسَامُ. وَالْأَزْلَامُ قِدَاحُ الْمَيْسِرِ، وَاحِدُهَا زَلَمٌ وَزُلَمٌ، قَالَ:
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَامٌ كَالزَّلَمْ (?)
وَقَالَ آخَرُ، فَجَمَعَ:
فَلَئِنْ جَذِيمَةَ قَتَّلَتْ سَرَوَاتِهَا ... فَنِسَاؤُهَا يَضْرِبْنَ بِالْأَزْلَامِ
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ ابْنَ وَكِيعٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْأَزْلَامَ حَصًى بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: هِيَ الشِّطْرَنْجُ. فَأَمَّا قَوْلُ لَبِيَدٍ:
تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلَامُهَا (?)
فَقَالُوا: أَرَادَ أَظْلَافَ الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ. والأزلام العرب ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مِنْهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي كَانَ يَتَّخِذُهَا كُلُّ إِنْسَانٍ لِنَفْسِهِ، عَلَى أَحَدِهَا افْعَلْ، وَعَلَى الثاني لا تفعل، والثالث مهمل لا شي عَلَيْهِ، فَيَجْعَلُهَا فِي خَرِيطَةٍ مَعَهُ، فَإِذَا أَرَادَ فعل شي أَدْخَلَ يَدَهُ- وَهِيَ مُتَشَابِهَةٌ- فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُهَا ائْتَمَرَ وَانْتَهَى بِحَسَبِ مَا يَخْرُجُ لَهُ، وَإِنْ خرج القدح الذي لا شي عَلَيْهِ أَعَادَ الضَّرْبَ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حِينَ اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَقْتَ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذَا الْفِعْلِ: اسْتِقْسَامٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهِ الرِّزْقَ وَمَا يُرِيدُونَ، كَمَا يُقَالُ: الِاسْتِسْقَاءُ فِي الِاسْتِدْعَاءِ لِلسَّقْيِ. وَنَظِيرُ هَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ الْمُنَجِّمِ: لَا تَخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا، وَاخْرُجْ مِنْ أَجْلِ نَجْمِ كَذَا. وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ:" وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً" (?)
الآية] لقمان: 34]. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي- سَبْعَةُ قِدَاحٍ كَانَتْ عِنْدَ هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا مَا يَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ النَّوَازِلِ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فيه كتاب، قدح فيه العقل من أم الدِّيَاتِ، وَفِي آخَرَ" مِنْكُمْ" وَفِي آخَرَ" مِنْ غَيْرِكُمْ"، وَفِي آخَرَ" مُلْصَقٌ" (?)
، وَفِي سَائِرِهَا أَحْكَامُ المياه وغير ذلك،