تفسير القرطبي (صفحة 2161)

لَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا. وَقَالَ رَبِيعَةُ: مِنْ إِحْسَانِ الذَّبْحِ أَلَّا يَذْبَحَ بَهِيمَةً وَأُخْرَى تَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَحُكِيَ جَوَازُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. وَأَمَّا حُسْنُ القتلة فعام في كل شي مِنَ التَّذْكِيَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، زَادَ ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ (وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فَتُقْطَعُ وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ ثُمَّ تُتْرَكُ فَتَمُوتُ). السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ:" النُّصُبِ" حَجَرٌ كَانَ يُنْصَبُ فَيُعْبَدُ وَتُصَبُّ عَلَيْهِ دِمَاءُ الذَّبَائِحِ، وَهُوَ النَّصْبُ أَيْضًا. وَالنَّصَائِبُ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوَالَيْ شَفِيرِ الْبِئْرِ فَتُجْعَلُ عَضَائِدَ، وَغُبَارٌ مُنْتَصِبٌ مُرْتَفِعٌ. وَقِيلَ:" النُّصُبِ" جَمْعٌ، وَاحِدُهُ نِصَابٌ كَحِمَارٍ وَحُمُرٍ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ وَالْجَمْعُ أَنْصَابٌ، وَكَانَتْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَجَرًا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ" النُّصْبُ" بِجَزْمِ الصَّادِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ" النَّصْبُ" بِفَتْحِ النُّونِ وَجَزْمِ الصَّادِ. الْجَحْدَرِيُّ: بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ جَعَلَهُ اسْمًا مُوَحَّدًا كَالْجَبَلِ وَالْجَمَلِ، وَالْجَمْعُ أَنْصَابٌ، كَالْأَجْمَالِ وَالْأَجْبَالُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ حِجَارَةٌ كَانَتْ حَوَالَيْ مَكَّةَ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَذْبَحُ بِمَكَّةَ وَتَنْضَحُ بِالدَّمِ مَا أَقْبَلَ مِنَ الْبَيْتِ، وَيُشَرِّحُونَ اللَّحْمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى الْحِجَارَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نُعَظِّمَ هَذَا الْبَيْتَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها" (?)

] الحج: 37] وَنَزَلَتْ" وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ" الْمَعْنَى: وَالنِّيَّةُ فِيهَا تَعْظِيمُ النُّصُبِ لَا أَنَّ (?)

الذَّبْحَ عَلَيْهَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَذَا النُّصُبَ (?) الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ ... لِعَافِيَةٍ (?)

وَاللَّهَ رَبَّكَ فَاعْبُدَا

وَقِيلَ:" عَلَى" بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ لِأَجْلِهَا، قَالَ قُطْرُبٌ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وما أهل به لغير الله شي وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ جُزْءٌ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَكِنْ خُصَّ بِالذِّكْرِ بَعْدَ جِنْسِهِ لِشُهْرَةِ الْأَمْرِ وشرف الموضع وتعظيم النفوس له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015