قال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [القلم:28 - 29].
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي: أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم وخيرهم رأياً {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي: تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، وتخشون انتقامه من المجرمين.
وكان أوسطهم وعظهم حين عزموا على عزيمتهم الخبيثة، فعصوه فعيرهم، قال لهم: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ}.
{قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي: في ترك استثناء حق المساكين ومنع المعروف عنهم من تلك الجنة.
قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} يعني: يلوم بعضهم بعضاً، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} [القلم:31] أي: متجاوزين حدود الله تعالى في تفريطنا وعزمنا السيئ.
{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا} أي: بتوبتنا إليه وندمنا على خطأ فعلنا، وعزمنا على عدم العود إلى مثله {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} أي: في العفو عما فرط منا والتعويض عما فاتنا.
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: هذا يدل على أن هذا الأوسط كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه لما أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون.
أي: اعترض الأوسط على ذلك وأمرهم بأن يستثنوا فلم يطيعوه، والدليل على هذا ما أتى بعد، وهو قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ}، وقيل: كان استثناؤهم تسبيحاً.
وقيل: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي: هلا تستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم.
فإن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك وذكرهم انتقام الله تعالى من المجرمين.
فقولهم: ((سُبْحَانَ رَبِّنَا)) تنزيه لله عن الظلم فيما فعل بهم، بل هذا من عدل الله، فلما حَرموا حُرموا، أي: لما حرموا المساكين من الرزق الذي يجريه الله على أيديهم، حُرموا هم أيضاً من هذا الرزق، فاعترفوا بالمعصية ونزهوا الله عن أن يكون ظالماً فيما فعل، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.