{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:41 - 42].
قوله: ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ)).
(سيما) أي: علامة، ولذلك حتى أصحاب الأعراف يعرفون كلاً من الفريقين بهذه السيما، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف:46] يعني: كلاً من أهل الجنة وأهل النار، كذلك قوله: ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُم)) يعني: بعلامات تظهر عليهم.
ولقد أوضح القرآن الكريم هذه العلامات كما في قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]، فالكفار تكون وجوههم سوداء، كذلك عيونهم تكون زرقاء: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه:102] يعني: أن العين تكون زرقاء حتى البياض فيها، فهذا هو المقصود وليس الصفة التي تكون عليها الناس في الدنيا.
ومن هذه السيما: الغبرة والقترة في وجوههم، كما يقول الله تبارك وتعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:40 - 41]، فهذه كلها من السيما ومن العلامات التي يعرف بها المجرمون، فتأخذهم الملائكة ويلقونهم في جهنم.
كما يعرف المؤمنون أيضاً بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء، قال الله تبارك وتعالى في وصف المتقين: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24]، وقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22].
قوله: ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ)) يقول القاسمي: أي: بما يعلوهم من الكآبة والحزن والذلة.
وقيل: بسواد الوجوه وزرقة العيون.
((فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)) يعني: فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم وتقذفهم فيها، والباء للآلة، كأخذت بالخطام، أو للتعدية، والناصية: مقدم شعر الرأس.
وفيه بيان لكيفية إلقائهم في النار والعياذ بالله، حيث تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه، حتى قال بعض المفسرين: إن الأمر ليس كما نتصوره نحن أنه يجمع الناصية مع القدم من الأمام بل تجمع الناصية مع القدم من الخلف حتى تتكسر عظامه والعياذ بالله.
أي: تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك، وقيل: يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصيته حتى يندق ظهره ثم يلقى في النار.