تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم)

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله: ((بِسِيمَاهُمْ)) أي: بعلامتهم المميزة لهم، وقد دل القرآن على أنها هي سواد وجوههم وزرقة عيونهم، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران:106] الآية.

وقال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60]، وقال تعالى: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:27]، وقال تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:40 - 42]؛ لأن معنى قوله: (ترهقها قترة): يعلوها ويغشاها سواد كالدخان الأسود.

وقال تعالى في زرقة عيونهم: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه:102]، ولا شيء أقبح وأشوه من سواد الوجوه وزرقة العيون؛ ولذا لما أراد الشاعر أن يقبح علل البخيل بأسوأ الأوصاف وأقبحها وصفها بسواد الوجوه وزرقة العيون حيث قال: وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود ولاسيما إذا اجتمع مع سواد الوجه اغبراره، كما في قوله: {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:40 - 41] فإن ذلك يزيده قبحاً على قبح.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ((فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)) قد قدمنا تفسيرها في الكلام على قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13] قيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، وفي قول آخر: تارة تأخذ بناصيته، أي: بمقدم شعر الرأس ثم تجره في النار على وجهه، وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على رأسه، والظاهر هو ما ذكرناه آنفاً من أنه تجمع النواصي إلى الأقدام ثم يلقى في النار أعاذنا الله وإياكم منها.

((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، كما قلنا في صدر السورة: إذا ذكر قوله تبارك وتعالى: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) فيراد بها تقرير العباد بامتنان الله عليهم بما سبق ذكره قبل هذه الآية الكريمة من النعم.

وفي بعض المواضع التي قد لا يظهر فيها معنى الامتنان بالنعمة وبالآلاء نحتاج إلى أن نتدبر ونتفكر حتى نعرف وجه الامتنان في قوله: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، نقول: بعد أن وصف سبحانه أحوال أهل العذاب وأهل الجحيم وأهوال القيامة وعقاب المجرمين، تبين لنا أن هذا من رحمة الله بنا، وأن هذا من أعظم النعم؛ لأنه حذرنا من المعاصي كي لا نقع فيما نستحق به هذا العذاب، هذا هو وجه النعمة.

فإذاً: النعمة فيما وصف من أهوال القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات، ولذلك يقول بعض المفسرين: ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك، قال تعالى ممتناً بذلك على بريته: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) أي: من عقوبته أهل الكفر به وتكريمه أهل الإيمان به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015