وتدل الآية أيضاً على وجوب معاونة من بغي عليه، والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى: ((فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)).
ولا شك أننا بعد أحداث الخليج وما حصل من غزو الكويت كنا أحوج ما نكون إلى تطبيق هذه الآية، ولكن من الذي يعتبر نفسه مخاطباً بوصف الإيمان حتى يفعل ذلك؟ أعني أن حادثة العراق والكويت مما يؤرخ له، وقد اختلف ما بعدها تماماً عما قبلها كحادثة الفيل وغيرها من الأحداث العظيمة، ولا يخفى الشر الذي حصل، وكأنه والله أعلم هو المقصود من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ويل للعرب من شر قد اقترب)، فبمجرد حصول هذه الفتنة وعدم الإصغاء إلى حكم الله سبحانه وتعالى ذاقت الأمة على جميع المستويات الويل من تلك اللحظة، فما من أحد إلا ودفع الثمن، لا أقول العمال الذين فقدوا مرتباتهم، فهذه أبسط الأشياء، ولكن هذه الأمة التي طحنت وأهينت ومزقت شر ممزق، وإلى الآن لا نزال نسمع صراخ مندوبي العراق في كل المنتديات الدولية: ارفعوا العقوبات! ارفعوا العقوبات! وذلك بعد أن دمر كل ما عندهم من السلاح، وهلك الأطفال من الجوع، وحصل التشرد وغيره من البلاء الذي وقع بالأمة.
فانظر كيف ندفع ثمن حماقة الحمقى من هؤلاء الظالمين، بسبب تغلب رأيهم وعنادهم أو لغير ذلك من الأسباب، فهذا أنموذج من نماذج حرمان الأمة من هدي القرآن الكريم، ومن تحكيم كتاب الله سبحانه وتعالى فيما بينها، ولو قدر أنه حصل تحكيم فعلي للشرع -على ما هم فيه من الانحراف عن الإسلام- وحسم الأمر بطريقة شرعية كما هو المندوب إليه في هذه الآية، لما حصل ما حصل الآن.
لكن جاءت الجيوش الغربية بقضها وقضيضها، وملأت الجزيرة العربية بحجة حماية البترول، ثم بعد ذلك بقيت كل هذه الجيوش المجيشة عند عصابة اليهود في فلسطين وديعة من حق اليهود أن يستعملوها عند الحاجة، فهي باقية راسخة، ولا يستطيع أحد أن يزحزحها، فكل هذا الشر إنما أتى من شؤم مخالفة أمر الله عز وجل الذي توضحه هذه الآية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).
وقول الله تبارك وتعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]، هذا ليس على إطلاقه، حتى يبدأ المؤمنون بظلم بعضهم البعض، ويبغي بعضهم على بعض، ويستحل بعضهم بيضة بعض، فحينئذ يعاقبون بتسليط الكافرين عليهم.
فهذا كله من شؤم الانحراف عن هدي كتاب الله، فنحن جميعاً ندفع الثمن، لا يوجد أحد على الإطلاق لم يدفع الثمن سواء في العراق أو في غيرها، فالناس في كل البلاد الإسلامية يدفعون الثمن، ويتحملون ما هم فيه من ذل وهوان واستضعاف من قوى الكفر، حتى وصلوا إلى تجريد الأمم الإسلامية من أسلحتها وتدميرها، وإضعاف اقتصادها، إلى غير ذلك من الشؤم والنحس الذي جره على المسلمين هؤلاء الطواغيت، فإلى الله سبحانه وتعالى المشتكى! فهذه لفتة لبيان بركة تحكيم كتاب الله على الأمة كلها، وشؤم النفور والاستكبار والانقياد لحكم الله سبحانه وتعالى، والذي أدى إلى الاستغاثة بالكفار، كي يمنعوا ظلم هذا الطاغية، فالله المستعان.