وفي الآية فوائد منها: أن البغاة لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان، فهم مازالوا من أهل القبلة، ولهم أحكام أهل القبلة، فوقوع ذنب القتال مع البغي لا يخرجهم من الإيمان كما بينا وذكرنا الأدلة على ذلك.
وفي الآية أن الله سبحانه وتعالى أوجب قتالهم؛ لأن هناك أمراً بالقتال: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم.
وفيها أيضاً قتال كل من منع حقاً عليه، والأحاديث بذلك مشهورة، منها ما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله) والحديث متفق عليه.
وأجمع الصحابة على قتال البغاة، فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة، والحقيقة نحن نستفيد في فقه قتال البغاة مما حصل في قتال علي رضي الله تعالى عنه مع الفئة الباغية، أما أول من قاتل البغاة فهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فقد قاتل طائفة من أهل القبلة وهم مانعو الزكاة، لكن لما اختلط الأمر كان الذين يقاتلهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه منهم من منع الزكاة بتأويل، ومنهم من ارتد عن الإسلام، إلا أنه غلب على تلك الحروب اسم حروب الردة، فهذا الإطلاق هو على سبيل التغليب؛ لأن منهم من منع الزكاة متاولاً قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] قالوا: أما بعد النبي عليه الصلاة والسلام فليس للإمام أن يأخذ منا الصدقة؛ لأنه ليست دعوته وتزكيته كفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا تأويل اجتمعوا عليه وقاتلوا من أجله في منع الزكاة، ولم يرتدوا عن الإسلام.
فإذاً: أبو بكر يعتبر أول من قاتل البغاة؛ لكن لم يتمحض قتاله للبغاة، وإنما اختلط بقتال أهل الردة، وكان ذلك الغالب، فأطلق عليها إجمالاً حروب الردة، أما علي رضي الله تعالى عنه فقد قاتل أهل الجمل وأهل صفين.