قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ} [الزخرف:55 - 56].
((فَلَمَّا آسَفُونَا))، يعني: أغضبونا وأسخطونا؛ لأن الأسف يراد به الغضب، كما أطلق الله سبحانه وتعالى الأسف على أشد الغضب في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف:150]، على أصح التفسيرين.
فقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا)) أي: أغضبونا بطاعة عدونا، وقبول مغالطاته بلا دليل، وتكذيب موسى وإيذائه ووصفه بالساحر، ونكث العهود.
وقوله: {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، وذلك لاستغراقهم في بحر الضلال الأجيال الطوال، وعدم نفع العظة معهم بحال من الأحوال.
وقوله: ((فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا)) أي: حجة للهالكين بعدهم؛ لأن السلف هم السابقون، كما قال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:100]، فهم سابقون من حيث الزمان، فقوله: ((فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا)) يعني: حجة للهالكين بعدهم، وسلفاً لمن يهلك بعدهم.
وقوله: ((وَمَثَلًا)) أي: عبرة ((للآخرين))، كما قال تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} [الزخرف:8].