قال تعالى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:53].
((فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ)) يعني: نريد أن تنزل عليه أسورة الذهب من السماء، ((أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ))؛ كي يؤيدوه، وسبق الرد على اقتراح الآيات، وقلنا: إن هذا ليس إلى الأنبياء، بل هو من محض إرادة الله سبحانه وتعالى، ولذلك لو أن الملائكة جاءتهم في صورتهم الحقيقية فلابد أن تأتيهم بالعذاب، وإلا فإنها تأتيهم في صورة رجال، كما قال عز وجل: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9].
ويفهم من قوله: ((أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)) أن فرعون كان يؤمن بوجود الملائكة، كما أن فرعون ما كان ينكر وجود الله، ولم يحك القرآن عن أمة من الأمم الكافرة أنها أنكرت وجود الله، فإن توحيد الربوبية قد أطبق عليه المشركون كافة، حتى الذين قص الله خبرهم في سورة المؤمنون كانوا يقرون بوجود الله، كما هو واضح من سياق الآيات.
وكذلك أبو لهب وأبو جهل وغيرهم من كفار قريش كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، لكن النزاع كان في توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد، أما توحيد الربوبية فإنه لا يسمى إيماناً، كما يفعل بعض الناس الآن؛ حيث يصف الكفار والمسلمين، ويضع معهم النصارى واليهود، كأن يقول: نحن معشر المؤمنين بالله.
إذاً: على هذا القول كان أبو جهل مؤمناً وكان أبو لهب مؤمناً وكان فرعون مؤمناً.
فالمقصود توحيد الألوهية والعبادة، وليس توحيد الربوبية، بدليل أن كلمة التوحيد هي (لا إله إلا الله)، وليست (لا رب إلا الله)؛ ولو كانت (لا رب إلا الله) لدل على أن المشركين كانوا مسلمين؛ لقول الله عز وجل عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]، فهم كانوا يقولون: لا رب إلا الله.
وقوله: ((أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)) أي: يعينونه ويصدقونه.
((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ)) أي: استفزهم بهذه المغالطات وحملهم على أن يخفوا له ويصدقوه ((فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)).