الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء، وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! في اللقاء السابق تحدثنا عن التدابير والوسائل والطرق التي وضعها الإسلام ليمنع جريمة الزنا قبل وقوعها، من تحريم للنظر الحرام، ومن تحريم للتبرج والخلوة والاختلاط والمصافحة وخروج المرأة متعطرة إلى غير ذلك من الأمور التي بينّاها، وقد جاءتني رسائل متعددة من إخوة أفاضل يريدون أن نستكمل هذا الموضوع الهام، لأنه لا ينبغي أن نضع رءوسنا في التراب، ونترك الأمور تدور حولنا دون أن نصف الداء والدواء، كما بيّنه رب الأرض والسماء.
إن المتأمل في ذلك المرض يجد أن المجتمع يقف على حافة الهاوية، والأمر جد لا هزل فيه، تتجاذبه عدة قوى: القوة الأولى: علمانية عفنة ملكت وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية، ترى أنه لا داعي أبداً للتمسك بمبادئ الأخلاق والدين والقيم؛ لأنها من ركام الماضي عفا عليها الزمان، ولا بد من تبادل العشيقات وإهدار مبدأ تعدد الزوجات ومتابعة ركب الحضارات.
القوة الثانية: قوة تدّعي أن حضارة الغرب هي التي تملك الإنقاذ، وهي التي بيدها مفاتيح التقدّم والرقي.
القوة الثالثة: قوة سلبية لا هم لها إلا الدنيا، تجمع المال ولا يعنيها أمر الدين من بعيد أو قريب.
القوة الرابعة: قوة مستضعفة تدعو الناس إلى دين ربهم، وتدعوهم إلى التمسك بأخلاق دينهم الحنيف؛ حيث لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فهذه قوى متعددة تتجاذب المجتمع من جميع نواحيه، ولكن لا بد أن نعلم أن النصر والتمكين لعباد الله الموحدين؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]؛ ويقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51].
وموضوعنا اليوم هام؛ لأنه يتعلق أيضاً بتلك التدابير والوسائل ألا وهو: تيسير الزواج، وظاهرة المغالاة في المهور، وبحث مسألة تعدّد الزوجات، فهذه من الأمور الهامة التي وضعها الشرع الحنيف؛ ليقطع الباب أو ليغلق الباب على تلك الجريمة.
أحبتي الكرام! لقد أعرض الشباب عن الزواج، حتى بلغ سن البعض منهم إلى ما يزيد عن الثلاثين أو الأربعين، وارتفع حد العنوسة عند النساء لأسباب كثيرة، منها: تلك التكاليف الباهضة التي يكبّل بها الشاب عندما يقبل على هذه الخطوة، وكأنهم يضعونه في قفص حديدي ويكبّلونه، وولي الأمر سيسأل بين يدي الله عن ذلك.
فإن تيسير المهور أحد الأسباب الهامة لتيسير مسألة الزواج، أتدرون ما كان مهر فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ هل كان مهرها مئات الألوف كما نسمع؟ هل أقيم لها عرس يكلف عشرات الألوف؟ لقد كان مهرها درع علي رضي الله عنه قدمه لها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج بعض الصحابة على ما معه من القرآن، وقال له: (التمس ولو خاتماً من حديد، قال: حتى خاتم الحديد لا أجده يا رسول الله، قال: ما معك من القرآن؟، قال: سورة كذا وكذا، قال: تزوجها على أن تعلّمها ما معك من القرآن).
فانظر إلى الفرق بين واقع الصحابة وبين الواقع المر الذي نعيشه الآن، وللأسف الشديد نجد من بعض من ينتسبون إلى الحركة الإسلامية إذا تقدم شاب لابنته وضع له قائمة تكبله وتقيد حركته، فتنتظر البنت حتى تبلغ الثلاثين بل الأربعين ويرفض أن يزوجها وأن ييسر الأمر، ومن شدّد شدّد الله عليه.
ينظر البعض إلى الزواج في مجتمعنا على أنه تقييد للحرية وتكبيل للإرادة، وينبغي له أن يعيش حراً طليقاً.
والبعض الآخر ينظر إليه بأنه متعة جسدية شهوانية ينتقل من