الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أيها الإخوة الكرام الأحباب، إن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وعلى العبد أن يدرب نفسه، وأن يجاهدها في هذا الباب.
خرج رجل إلى السوق ليبيع عبداً مملوكاً له فقال: غلامي هذا فيه خصال كذا وكذا وظل يمدحه، ثم قال: إلا أنه نمام، والواجب أن يبين البائع عيب السلعة التي يبيعها، ومن الغش أن يخفي العيب، فهذا رجل عنده حسن خلق في البيع، فبين أن في غلامه كذا وكذا، إلا أنه نمام، فقال أحد الناس ممن لا عقل لهم: هذا عيب ضئيل لا وزن له، وأخذه على عيبه، فجاء الغلام إلى سيده وقال له: سيدي إن سيدتي تبغضك، وتدبر لقتلك فتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً وستنظر صدق ما أقول، ثم ذهب إلى سيدته وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من لحيته وائتيني بها، وأنا أفعل لك أمراً لن يتزوج به عليك، فجاءت المرأة بالليل بالموسى وهوت على رأس زوجها لتأخذ منه شعرة، ففتح الزوج عينه فوجدها تهوي عليه، فجذب الموسى من يدها وطعنها وقتلها، فلما وصل الأمر إلى أهلها اجتمعوا عليه فقتلوه، فدار الحرب بين القبيلتين.
انظروا إلى ما حدث من ذنب يسير نظنه، ولكنه ليس يسيراً عند الله، وإنما يمكن لك أن تتجاوزه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير) أي: ما يعذبان فيه أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه؛ لأنه قال: (بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله)، وفي رواية: (لا يستبرئ)، وفي رواية: (لا يستنزه).
رجل أعمال يسير في الطريق الصحراوي ضاقت به السبل، يركن السيارة ينزل، فإذا به يقضي حاجته على قارعة الطريق، أما تستحي من الله؟ أما تستحي من الناس؟ لا يستتر، ولا يستبرئ ولا يستنزه من بوله.
(وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس).
قال رجل لـ عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين فلان يقول في حقك: كذا، فقال له عمر بن عبد العزيز: أيها الرجل إن كنت كاذباً فأنت من الذين قال الله فيهم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]، وإن كنت صادقاً، فأنت من الذين قال الله فيهم: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، قم، قال: العفو يا أمير المؤمنين.
فمن قال لك قال عليك.
لو أننا أخذنا هذا المبدأ وسرنا به في حياتنا لاستقامت الحياة، ولعمت راحة الصدور، ولاطمأن البال، ولكننا تركناه فعمت الفوضى التي نعيش فيها الآن، وضاعت الأخلاق، وانهارت القيم، أسأل الله سبحانه أن يحسن أخلاقنا.
اللهم حسن أخلاقنا كما حسنت خلقتنا، وحرم وجوهنا على النار.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم طهر ألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ول أمورنا خيرنا.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، ونسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، وشفاء صدورنا.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وجمد الدماء في عروقهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود، فإنهم لا يعجزونك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.