الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وما بكم من نعمة فمن الله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا بعد ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم مع سورة القلم، وسورة القلم هي السورة الثانية في جزء تبارك، وهي سورة مكية، أي: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة؛ لأن معيار التفرقة بين المكي والمدني عند العلماء على الراجح من أقوالهم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة وإن نزل خارج مكة، وأن المدني ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بمكة، فهي سورة مكية عدد آياتها (52) آية، افتتحها الله عز وجل بقوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم:1 - 7].
ولقاؤنا هذا مع قول الله سبحانه: {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1]، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم لمنزلة العلم، ولمنزلة العلماء، وإشارة إلى فضل القلم الذي به يكتب العلم.
قال المفسرون: إما أن يكون القلم هو القلم الذي كتب الأقدار، حيث قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، فكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
أو القلم هو كل قلم يكتب العلم ويسطره.
{وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] أي: وما يكتبون، إشارة إلى منزلة العلم، ومن ثم حديثنا عن العلم وحقيقته، وفضل العلماء، وحكم طلب العلم، وآداب طلب العلم، وآداب طالب العلم مع نفسه، وآداب طالب العلم مع شيخه، وآداب التلقي لطلب العلم، ثم محاذير ينبغي أن ينتبه إليها طلاب العلم، هذا هو موضوع اللقاء، أسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ونعوذ به من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.