قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، ورد حديث في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل، ولو أذن لـ عثمان بن مظعون به لاختصينا)، والمعنى: أنه نهى عثمان بن مظعون عن التبتل، وهو الانقطاع عن طيبات الدنيا، وحبس النفس على الطاعة دون استمتاع بالأمور التي أباحها الله.
والاختصاء: هو أن يمتنع المرء عن الزواج، وعن الطيبات، وعن الحياة الدنيا، وأن يتبتل وينقطع لعبادة الله، وعثمان بن مظعون أراد أن يختصي ليتفرغ لعبادة ربه عز وجل، والآية فيها الأمر بالتبتل وهو: الانقطاع عن كل معبود إلا الله {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، فحينما تكون الجهة منفكة فمتعلق الأمر يختلف عن متعلق الناس.
والعجب ممن يقول: الإسلام قد نهى عن تعدد الزوجات؛ لأن الله قال في موضع: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، وفي موضع آخر قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء:129]، وهذه معارضة بين النصين: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا)، (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا)، قلنا: الجهة منفكة، فمتعلق هذه الآية يختلف عن الأخرى، والعدل في الآية الأولى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء:3] هو في المسكن والملبس، وهذا هو العدل المادي المحسوس، أما قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129] فالمقصود بها: العدل القلبي، فقلبك قد يميل إلى واحدة دون الأخرى، وهذا لن تستطيع أن تعدل فيه.
إذاً: العدل في الأولى يختلف عن العدل في الثانية، ولكن الذين يريدون أن يشرعوا للأمة على حسب أهوائهم ضربوا الآيات بعضها ببعض، وقالوا: ((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا))، الأصل ألا تعدد، وهكذا بسوء الفهم ضيعوا الأحكام الشرعية.