فثَواب هؤلاء المُؤمِنين العامِلين الصالحِاتِ أنْ تُغفَر سَيِّئاتُهم وأن يُجازَون على عمَلهم الصالِح بالرِّزْق الكريم.
قُلْت: "الكريم هو الحسَن في كِمَيَّته وكَيْفيَّته"، فكِمِّيّته لا تُحص ولا يَفنَى ولا يَبيد وكَيفيَّته أيضًا لا يُدرِكها القَلْب، {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} إلى آخِره؛ سبَق وقُلْنا: إن القُرآن مَثاني كما وصَفه الله تعالى به؛ فقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]، و (مَثاني) هذه غير (المَثاني) في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]؛ لأن المُراد بالسَّبْع من المَثاني الفاتِحة، كما ثبَت ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (?)، فالمَثانِي مَعناه: أنه تُثَنَّى فيه المَعاني؛ فغالِبًا إذا ذُكِر جَزاءُ المّتَقين ذُكِر جزاء الكافِرين، وإذا ذُكِر وَصْف الجنَّة ذُكِر وَصْف النار، إذا ذُكِرت الأَوْصاف المَحبوبة إلى الله تعالى ذُكِرت الأَوْصاف المَكروهة إليه؛ لأنه لو ذُكِر المَطلوب فَقَطْ من أَوْصافٍ أو جَزاءٍ أخَذَ الإنسان الرَّجاء حتى أمِن مَكْر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإن ذُكِر المَكروه من ذلك أَخَذه القُنوط واليَأْس، فكان الله يَذكُر هذا ثُمَّ يَذكُر إلى جانبه الشيءَ الآخَرَ؛ حتى يَكون الإنسان سائِرًا إلى ربه بين الخَوْف والرَّجاء، لأن هذا هو الاعتِدال أن تكون خائِفًا راجِيًا في سَيْرك إلى رَبِّك؛ لأنك إن غَلَّبت الرَّجاء كُنْت من الآمِنين مِكْرَ الله تعالى؛ لأنَّ مَن غلَّب الرَّجاء صار يَعمَل الذَّنْب وَيقول: أَرجو أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يَغفِر لي. وَيتَهاوَن بالواجِب وَيقول: