لكن إذا أُبقِيَتِ النُّصوص على ما هي عليه على ظاهِر دَلالتها مع تَنزيه الله تعالى عمَّا لا يَليق به سَلِمتَ في دِينك، وسلِمتَ أمام الله - عز وجل - حين يَسألك يوم القيامة: كيف تَصَرَّفت في كلامي؟ وكيف أَخرَجْته عن ظاهِره؟ وسلَمْت أيضًا من مُعارَضة أهل التَّأويل.
وقد سبَق لنا في (تلخيص الحمَويَّة) (?) أنَّ الفَلاسِفة الذين يُنكِرون المَعاد، بل ويُنكِرون كلَّ شيءٍ، احتَجُّوا على المُعتَزِلة وأهل التَّعطيل، وقالوا: كيف تُجوِّزون التأويل في آيات الصِّفات وأَحاديثها ولا تُجوّزون التَّأويلَ في نُصوص المعاد، إذا أَوَّلْتُم في هذا فأَوِّلوا في هذا، وإلَّا فقد ظهر تَناقُضُكم؛ وسبَق لنا إجابةُ المُعتَزِلة للفلاسِفة، ماذا قالوا لهم؟ قالوا: إننا قد علِمنا بالاضْطِرار أنَّ الرُّسُل جاءَت لإثبات المَعاد، وعلِمْنا أن الشُّبْهة المانِعة منه فاسِدة، ووجَب القول بثُبوته.
وهذه من أهم المَسائِل لطالِب العِلْم في عِلْم التوحيد.
وذكَرْنا أن هذه الحُجَّةَ التي دافَع بها المُعتَزِلة اعتراضَ الفلاسِفة احتَجَّ بها أهلُ السُّنَّة على المُعتَزِلة، وقالوا: قد علِمْنا بالضرورة أن الرسول جاء بإثبات الصِّفات لله تعالى، وعلِمنا فَساد الشُّبْهة المانِعة منه فوجَبَ القول بثُبوته، وأنَّ طرْد القاعِدة في هذا وهذا هو الذي فيه السَّلامة، أمَّا أن نَتَناقَض ونُؤَوِّل في شيء ونُبقِي النُّصوص على ظاهِرها في شيء فإنَّ هذا وهمٌ وضَعْفٌ في الطريقة.
فالمُهِمُّ: أنَّ (القريب) هنا لا نَقول: قَريب في عِلْمه، أو قَريب في رَحْمته، أو قريب في سَمْعه، أو ما أَشبَه ذلك، فنَخُصُّصها بشيءٍ، لأنك إذا قُلْت: قريب في رَحْمته أو سَمْعه أو بصَره أو عِلْمه أو ما أَشبَة ذلك خصّصْته، فإذا قلتَ: قريب بذاته. شمِل