والنِّساء هنا. اشتاقَتْ نُفوس كلِّ واحِد منهم إلى الآخَر، وحينئذٍ يَزداد طلَبُ الرجُل للمرأة والمرأةِ للرجُل! !
وانظُرْ كيف هذا الخِداعُ؟ ! وما علِموا أنهم إذا اختَلَطوا حصَل الزِّنا، بل لمُجَرَّد الاختِلاط تَحصُل مَفسَدة وما حصَلت الحوامِلُ سِفاحًا والعاهِراتُ والفاجِراتُ إلَّا بالاختِلاط، لكِنَّ هؤلاءِ الدُّعاةَ إلى الشَّرِّ يَمكُرون بالناس؛ لأنهم لو أَتَوْا بالبَشِع على وجهه هكذا نفَرَت منه النُّفوس، ولا قبِلَته، لكن يَأتون بصِيغة المَكْر والخِداع والمُبرِّرات الفاسِدة حتى يَقبَله ضُعفاء النفوس، ومَن ليس عندهم نظَر عَميق.
فالسَّطْحيُّون يَقبَلون مثل هذا الغُرورِ، ولكِنَّ المُتعمِّقين في النظَر يَرفُضون هذا رَفضًا باتًّا، وَيقولون: إن تَلبُّس هَؤلاءِ بالإِصْلاح ما هو إلَّا خِداع ومَكْر؛ هذا مَعنَى قوله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}.
ففي هذا من الفَوائِدِ: دليل أن الرُّؤَساء يَدْعون ليلًا ونَهارًا لا يَسأَمون لباطِلهم وصَدِّ الناس عن دِين الله عَزَّ وَجَلَّ، وأَهْلُ الخير نائِمون إلَّا مَن رَحِم الله -لكن غالِب دُعاة الخير مع الأَسَف نائِمون، وليس عِندهم اليَقَظةُ أيضًا- فليس عِندهم اليَقَظة لمَكْر هؤلاء الماكِرين الخادِعين، يَأخُذون بالظاهِر، ولا يَعلَمون أن هؤلاءِ الخُبَثاءَ شَرٌّ من الذين يَتَظاهَرون بالسُّوء؛ ولهذا قال الله في المُنافِقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4]، وأَتَى بالجُمْلة المُفيدة للحَصْر {هُمُ الْعَدُوُّ}، وقد تَقدَّم أنه إذا عُرِّف الرُّكْنان في الجُمْلة الخَبَرية صارَت دالَّةً على الحصْر. نَسأَل الله تعالى لنا ولكُمُ العافِية والسلامة.
وقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا}: {إِذْ} هذه ظَرْف بمَعنَى: وَقْت؛ يَعنِي: وقت أَمْرِكم إيَّانا تَأمُروننا، وانظُرْ إلى قوله تعالى: {تَأْمُرُونَنَا} كيف