يُفهِم بأن هؤلاء الذين استكْبروا وهُمْ الرُّؤَساء ليسوا يُشيرون عليهم إِشارة، وإنما يَأمُرونهم أَمرًا؛ لأنهم يَعتَقِدون أن لهم السُّلْطةَ عليهم، وفَرْق بين الأَمْر المُقتَضِى لاستِعْلاء الآمِر ومُعاقَبة المأمور إذا خالَف وبين المَشْورة؛ لأن المُشير ليس يَأمُر أَمْرًا، ولكنه يَعرِض الشيء على سبيل التَّزيِين لصاحِبه، أمَّا أَنْ يَأمُره أمرًا فلا.
وهنا قال تعالى: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} نَسأَل الله تعالى العافيةَ! هذا من أشَذَ المُنكَر أن يَأمُر الإنسان غيرَه بالكُفْر {أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ}، والكُفْر بالله تعالى يَدور على شَيْئين: تَكذيب بالخَبَر، واستِكْبار عن الطلَب، فالكُفْر يَدور على هذين الأمرين: إمَّا تَكذيب بالخَبَر، وإمَّا استِكْبار عن الطلَب، يَعنِي: تَرْك الأَمْر، وفِعْل النَّهْي.
ومن ذلك التكذيبِ بالخبَر إنكارُ الله تعالى بالكُلِّية بأَنْ لا يُصدِّق الإنسان بوُجود الله عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لا يُصدِّق برُبوبيته أو بأُلوهِيَّته أو بأسمائه وصِفاته.
وقوله تعالى: {وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أَيْ: [شُرَكاءَ] {وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} الأَنْداد جَمْع نِدٍّ، والنِّدُّ هو النَّظير، وجَعْلُ الأنداد لله تعالى شِرْك؛ ولهذا فَسَّر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ الأَنداد بأنه الشُّرَكاء، وفي قوله تعالى: {وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} دليلٌ على أنهم لم يَكفُروا بالله، أَيْ: بوُجوده، لكن كفَروا بحُقوقه؛ لأن لازِمَ جَعْل الأنْداد: أن يَكون هناك شَيْء مَوْجود له نِدٌّ.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأَسَرُّوا} أَيِ: الفَريقان {النَّدَامَةَ} على تَرْك الإيمان به] {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} فسَّرَها بعض العُلَماء بـ (أَظهَروا) فمَعنَى {وَأَسَرُّوا}: أَظهَروا سِرَّهم في النَّدامة، وفسَّرها آخَرون بـ (أَخفَوُا) النَّدامة؛ أمَّا الذين فسَّروا أسَّروا بـ (أَخْفَوْا) فظاهِر جِدًّا؛ لأننا نَعرِف جميعًا أن الإسرار بمَعْنى الإِخْفاء؛ لقوله تعالى: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [الرعد: 22]، وأمَّا مَن فسَّرَه بـ (أَظهَروا) فقالوا: