ما هو المكْر؟
قالوا في تَعريف المَكْر: إنَّه التَّوصُّل بالأسباب الخَفِيَّة إلى الإيقاع بالمُقابِل؛ يَعنِي: بالذي قابَلَك، أو إن شِئْت فقُلْ: بالخَصْم. و (مَكْر الليلِ) أُضيف المَكْر هُنا إلى اللَّيل؛ لأنَّه ظَرف، والنَّهار كذلك.
أمَّا من أيِّ جِهة وقَع هذا المكْرُ فهو من المُستكبِرين؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [مَكر فيهما مِنكم بنا] يَعنِي: أنتم تمَكُرون بنا ليلًا ونَهارًا، تَأتون إلينا تَخدَعوننا تَقولون -مثَلًا-: محُمَّد فيه كذا، ومحُمَّد فيه كذا، ومحُمَّد لن يَنتَصِر، ومحُمَّد خالَف آباءَه، ومحُمَّد سبَّ آلِهَتَنا؛ وما أَشبَه ذلك، وهكذا عادة الرُّؤَساء بالنسبة للأَتْباع يَأتون بهم على سبيل المكْر والخِداع؛ وزعيمهم في ذلك إبليسُ حيث قاسَمَ آدَمَ وحواءَ؛ قاسَمَهما: إني لكما من الناصِحين، يَعنِي: أَقسَم لكُلِّ واحِد منهما، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 21 - 22]، فهؤلاء الكُفَّارُ المُستكبِرون السادة والرُّؤَساء لا يُمكِن أن يَخدَعوا هؤلاء إلَّا بمَكْر؛ لأن الحقَّ مَقبول لدى الفِطَر، ولا يُمكِن صدُّ هذه الفِطْرةِ إلَّا بخِداع ومَكْر.
فلهذا انتَبِهوا لدعوة أهل الشَّرِّ والفَساد فإنهم لن يَأتوا إليكم وَيقولوا -مثَلًا-: ازنُوا! اشرَبوا الخَمْر! ولكنهم يُخادِعون، وَيأتون بأسباب الزِّنا وطُرُق الزِّنا بسبيل التَّقدُّم والحُرِّية والمُساواة وما أَشبَه ذلك؛ فمثَلًا: خلُّوا المَرأةَ تَخرُج للسُّوق مُتبَرِّجةً، وخلِّها تُشارِك الإنسان في العمَل، ودعوها تُشارِكه في الدِّراسة ودعوها تكون إلى جَنْبه في الكُرسيِّ، فأنتم إذا جعَلْتم المرأةَ تُخالِط الرَّجُل وتمَشِي معه زالت الغَريزة الجِنْسية في نفوس كل واحد منهما، لأنه سيَكون الأمر عاديًّا بينهما، فجُلوسه لجَنْب امرأة كجُلوسه بجانب ذكَرٍ، لكن إذا حبَسْتم ذلك وقُلْتم: إن الرجال هنا