2 - عِلْم يَتَرتَب عليه الثواب والعِقاب، وذلك لا يَكون إلَّا بعد امتِحان المُكلف به. وهل يَفعَل أو لا يَفعَل؛ يَعنِي هل يَمتَثل أو لا يَمتَثل، فتَبيَّن أنَّ الجواب عن هذه المَسألةِ التي ظاهِرُها تَجدُّد عِلْم الله تعالى: أنَّ العِلْم الذي يَتبَيَّن به الخفِيُّ؛ لأنَّ الأَمْر لم يَزَل ولا يَزالُ أمام الله تعالى واضِحَا ظاهِرًا، قال تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} هنا ضُمِّنت (نَعلَم) معنى (نُميِّز)؛ ولهذا قال تعالى: {مِمَّنْ هُوَ} يَعنِي: إلَّا لنُميز مَن يُؤمِن بالآخِرة مِمَّن هو منها في شَكٍّ.
والنّاس بالنِّسبة للآخِرة يَنقَسِمون إلى ثلاثة أقسام: قِسْم آمَنوا بها، وقِسْم كفَروا بها وأَنكَروا، وقِسْم فيه شَكٌّ وتَردد، الذين آمَنوا بها أَمْرُهم واضِح، والَّذين كفَروا بها وقالوا: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 98]، هذا لا يُمكِن، هؤلاءِ أيضاً أَمْرُهم واضِح، والذين تَرددوا وقالوا: يُمكِن أن يكون حَقَا ويُمكِن أن تكون باطِلًا يُلحَقون بالكافِر؛ لأنَّ الواجِب أن يُؤمِن؛ ولهذا قال: {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} فكَيْف ممَّن هو منها مُنكِرٌ وجاحِدٌ ومُكذبٌ.
فالله جعَل للشَّيْطان سُلْطة عليّ بني آدمَ؛ لأجل أن يَمتَحِن هؤلاء النَّاسَ فيَعلَم مَن يُؤمِن بالآخِرة ممن هو في شَكٍّ، فالذي فيه شَكَّ من الآخِرة يَتَبع الشَّيْطان قَطْعًا؛ لأنَّه لا يُؤمِن بأن هناك يَوْمًا آخِرَا يُثابُ النَّاس فيه ويُعاقَبون، فهو يَرَى أن لنَفْسه الحُريةَ المُطلَقة، وهي في الحقيقة حُرِّيةٌ من شيءٍ، ورِقٌّ في شيء، قال ابنُ القيمِ -رَحِمَهُ اللهُ-:
هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ ... وَبُلُوا بِرِقَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ (?)
والرِّق الذي خُلِقْنا له هو العُبودِية لله، (وَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ) نَسأَل الله تعالى العافِيةَ، يَعنِي: صاروا عَبيدَا لأَنفُسهم وشَياطينهم، فلا يُمكِن أن يَتحَرَّر