يعني حالَ كَوْنِهم يَدْعُونَ ربَّهُم، فيَدْعُونَه دُعاءَ مَسْأَلةٍ وعبادَةٍ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} خوفًا من عقابِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وطَمَعًا في رَحْمَته؛ لكِنَّ الحامِلَ على الخَوْفِ والطَّمَع أنَّهُم إذا نظروا إلى تَقْصِيرهم وعَظَمَةِ الله وشِدَّة عقابه غلب عليهم جانِبُ الخَوْفِ، وإذا نظروا إلى سَعَةِ رَحْمَةِ الله وعَفْوِه، وأنَّهُم قاموا بما يَنْبَغِي أن يقوموا به غَلَبَ عليهم جانِبُ الطَّمَع، فهم يسيرون بِجَناحَيْنِ؛ جَناحَيِ الخَيْرِ والطَّمَعِ، ولكن أيُّهما ينبغي أن يُغلَّبَ؟
الجوابُ: فيه خلاف؛ قال الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ (?): ينبغي أن يكون خَوْفُه ورجاؤُه واحدًا، فأيُّهما غَلَب هَلَكَ صاحِبُه؛ ولأنَّه إن غَلَّبَ جانِبَ الخَوْفِ قَنِطَ من رحمة الله وإن غلَّب جانِبَ الرَّجاءِ أَمِنَ مَكْرَ الله، ولكن يكونُ بينَ بينَ.
وقيل: الصَّحيحُ يُغَلِّبُ جانِبَ الخَوْفِ، والمريضُ يُغَلِّب جانِبَ الطَّمَع، فعند الموتِ يُغَلِّبُ جانب الطَّمَع والرَّجاء، وفي حال الصِّحَّةِ يُغَلِّب جانِبَ الخَوْف. وقيل: إنْ فَعَلَ الطَّاعَةِ فَلْيُغَلِّبْ جانِبَ الرَّجاء، وإن هَمَّ بالمَعْصِيَة أو عَمِلَها فَلْيُغَلِّبْ جانِبَ الخَوْفِ.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يتصَدَّقونَ].
(مِن) هل هي لبيانِ الجِنْس أو أنها للتَّبْعيضِ؛ يعني بعضَ ما رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ؟
الجوابُ: إذا قُلْتَ إنَّها للتَّبْعيضِ، صار من يَبْذُلُ كلَّ مالِهِ تقرُّبًا إلى الله صار مذمومًا، لو قُلْتَ: إنَّها لبيانِ الجِنْس وأنَّهُم يُنْفِقون ممَّا رَزَقْناهم، فإنَّه لا يَقْتَضي أن يكون مَنْ بَذَلَ مالَه كُلَّه مذمومًا؛ يعني: المرادُ بيانُ الجِنْس، فيَشْمَلُ القَليلَ والكثيرَ.