والرَّيْبُ يقول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: إنَّه الشَّكُّ؛ ولكنْ ذهب بعضُ أَهْلِ العِلْمِ إلى أنَّه لا يوجدُ كلمتانِ مترادِفَتانِ في المعاني، بل لا بدَّ أن يكون هناك فارِقٌ، وقالوا: إنَّ الرَّيْبَ شَكٌّ مع قَلَقٍ ورِيبَةٍ؛ وليس مُطْلقَ شكٍّ، بل هو شكٌّ خاصٌّ، وهو الذي يكون فيه القَلَقُ والإرتيابُ، وكونُ النَّفْسِ يكون معها انشغالٌ بخلافِ الشكِّ المجرَّدِ.
وقوله رَحَمَهُ اللهُ: [{مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} خبرٌ ثانٍ] والمعنى: تنزيلُ الكتابِ مؤكَّدٌ لا رَيْبَ فيه، تنزيلُ الكتابِ من ربِّ العالمينَ.
وعلى هذا فيكون الخبرُ الأَوَّلُ جملةً؛ فالخبرُ الأوَّلُ {لَا رَيْبَ فِيهِ} جملةٌ؛ لأنَّ {لَا} نافِيَة للجِنْس و {رَيْبَ} اسْمُها و {فِيهِ} خبرٌ, وهو جُملة، والخبرُ الثاني {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} شِبْه جملةٍ من جارٍّ ومجرورٍ.
وقوله تعالى: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ربُّ العالمينَ الذي خَلَقَه ومَلَكَه ومَلَكَ التَّصَرُّفَ فيه؛ والرُّبوبيَّةُ تشملُ ثلاثةَ أشياءَ: الخَلْق، والمِلْك، والتَّدبير.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {الْعَالَمِينَ} المرادُ به ما سِوَى الله عَزَّ وَجَلَّ، وسُمِّيَ ما سِوَى الله عالَمٌ؛ لأنهم عَلَمٌ على خالِقِهِم، وما من شيءٍ إلا فيه آيةٌ من آياتِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى تَشْهَد له بالوحدانيَّة والقُدْرةِ والعِزَّةِ وغير ذلك.
وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يعني أنَّ تنزيلَ الكتابِ من الله لا إشكالَ فيه، فليس قولَ محمدٍ ولا قولَ جبريلَ ولا قولَ أحدٍ من الخَلْق، بل هو مِنْ رَبِّ العالمين وَحْدَه.
ويجوز في الإِعْرابِ أن نجعل {لَا رَيْبَ فِيهِ} في مَوْضِع نصبٍ على الحالِ: ذلك الكتابُ خاليًا من الرَّيْبِ؛ من أين هو؟ الجوابُ: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.