هذه الحروفُ الهجائيَّة، وهذه الحروفُ في اللِّسان العربيِّ معناها أنَّها حروفٌ يكون منها الكلامُ فقط، ولكنْ ذكروا أنَّ هذه الحروفَ الهجائيَّةَ لها مَغزًى؛ وهو إظهارُ عَجْزِ هؤلاء المُكذِّبينَ بأنَّ هذا القُرآنَ من هذه الحروفِ التي تكوِّنونَ منها كلامَكم، ومع ذلك فقد أعجزكم، فهو لم يأْتِ بشيءٍ بديلٍ، إنَّما أتى بالحروف التي تُرَكِّبونَ كلامَكم منها؛ قالوا: ويدلُّ لذلك أنَّكَ لا تكاد ترى سورةً ابتُدِئَتْ بهذه إلا ويليها ذكْرُ القرآنِ.
قال تعالى: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} أي: القرآنِ، المرادُ بالكتابِ القرآنُ، وهو فِعالٌ بمعنى مفعولٍ؛ أي: مَكْتوب؛ وسُمِّيَ كتابًا؛ لأنَّه كُتِبَ في اللَّوْح المَحْفوظِ، وفي الصُّحُفِ التي بأيدي الملائِكَة، وفي الصُّحُفِ التي بِأَيْدينا؛ ولهذا سُمِّي كتابًا.
وقال رَحَمَهُ اللهُ: [مبتدأٌ] أي {تَنْزِيلُ}؛ لأنَّ الكتابَ مضافٌ إليه.
وقوله رَحَمَهُ اللهُ: [{لَا رَيْبَ} شكَّ {فِيهِ} خبرٌ أوَّلُ] {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ} يعني: أنَّ تنزيلَ الكتابِ مؤكَّدٌ ليس فيه رَيْبٌ، وهل النَّفيُ هنا على بابِهِ، أو هو نَفْيٌ بمعنى النَّهْيِ؛ أي: لا تَرْتابوا فيه؟
الجوابُ: فيه قولانِ: فمِنَ العُلماءِ من يقولُ: إنَّ النَّفْيَ هنا بِمَعْنى النَّهْيِ؛ فمعنى {لَا رَيْبَ فِيهِ} أي: لا تَرْتَابوا فيه، وبعضُ أَهْلِ العِلْمِ يقولُ: إنَّ المرادَ بالنَّفْيِ حقيقَتُه، والمعنى: أنَّ هذا الكتابَ ليس فيه رَيْبٌ، وإذا لم يكنْ فيه رَيْبٌ لَزِمَ مِن ذلك النَّهْيُ عَنِ الرَّيْبِ؛ لأنَّه إذا انتفى الرَّيْبُ في القرآنِ فلا يَحِلُّ لنا أنْ نَرْتَابَ فيه.
وهذا القَوْلُ أَبْلَغُ: أن يكونَ بالنَّفْيِ ليس فيه رَيْبٌ، سواءٌ ارْتابَ فيه مَنِ ارْتابَ أمْ لم يَرْتَبْ، فهو حقيقةٌ لا رَيْبَ فيه.