ويجوز أن نَجْعَلَ {لَا رَيْبَ فِيهِ} خبرًا واحدًا؛ و {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حالٌ من قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ}؛ فتَجْعَلُ الجُمْلَتَينِ خبرينِ، أو إحداهما خبرًا والأخرى حالًا.
وعلى كلِّ حالٍ: فمعنى الآيةِ الكريمةِ أنَّ تنزيلَ الكتابِ أمرٌ لا شكَّ فيه، وأنَّه {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أيضًا لا شكَّ فيه، وعندي أنَّ أَحْسَنَ ما يُقالُ في الإعرابِ: أنْ يُجْعَلَ {لَا رَيْبَ فِيهِ} هو الحالَ؛ تنزيلُ الكتابِ من رَبِّ العالمينَ لا مِن غَيْره، و {لَا رَيْبَ فِيهِ} يكونُ حالًا.
من فوائد الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ القرآنَ الكريمَ لم يأتِ بجديدٍ؛ أتى بالحروفِ التي يتكلَّمُ بها النَّاس، ومع ذلك أَعْجَزَهُم؛ يؤخَذُ من قوله تعالى: {الم} لأن الصَّحيحَ أنه ليس له معنًى.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن القرآنَ كلامُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى؛ لقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وجه ذلك: أنَّ القرآنَ كلامٌ وأضافه الله إلى نَفْسِه، فيقتضي أن يكونَ كلامَهُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ عُلُوِّ الله؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} والنُّزُولُ لا يكون إلا مِنْ أعلى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ أن القرآنَ الكريمَ مكتوبٌ؛ لقوله تعالى: {الْكِتَابِ} ولقد سبق لنا أنه مكتوبٌ في لَوْحٍ مَحْفوظٍ، وفي الصُّحُف التي بِيَدِ الملائكة، وفي الصُّحُف التي بأيدينا.