الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 12] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي ذَلِكَ فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} [آل عمران: 12] بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ سَيُغْلَبُونَ وَاحْتَجُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ بِقَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} [آل عمران: 13] قَالُوا: فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] كَذَلِكَ الْخَطَّابُ لَهُمْ وَذَلِكَ هُوَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ وَقَدْ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَوْعُودِينَ بِأَنْ يُغْلَبُوا هُمُ الَّذِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْوَحْي حِينَ نَزَلَ لِغَيْرِهِمْ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ: قُلْتُ لِلْقَوْمِ: إِنَّكُمْ مَغْلُوبُونُ، وَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِيَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» وَهِيَ فِي قِرَاءَتِنَا: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ} [الأنفال: 38] وَقَرَأَتْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ) عَلَى مَعْنَى: قُلْ لِلْيَهُودِ: سَيُغْلَبُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يُجِزْ فِي قِرَاءَتِهِ غَيْرَ الْيَاءِ. وَالَّذِي نَخْتَارُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ