وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ، وَأَشْبَهُهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، إِلَى عُمُرِ الْخَرْفَى، الَّذِينَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ مِنَ الْهَرَمِ وَالْكِبَرِ، فَهُوَ فِي أَسْفَلَ مِنْ سَفَلٍ، فِي إِدْبَارِ الْعُمُرِ وَذَهَابِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَخْبَرَ عَنْ خَلْقِهِ ابْنَ آدَمَ، وَتَصْرِيفِهِ فِي الْأَحْوَالِ، احْتِجَاجًا بِذَلِكَ عَلَى مُنْكِرِي قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدَ بِالدِّينِ} [التين: 7] يَعْنِي: بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ. وَمَحَا أَنْ يُحْتَجَّ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا مُنْكِرِينَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، بِمَا كَانُوا لَهُ مُنْكِرِينَ. وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ بِمَا لَا يَقْدِرُوا عَلَى دَفْعِهِ، مِمَّا يُعَايِنُونَهُ وَيَحِسُّونَهُ، أَوْ يُقِرُّونَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا لَهُ مُحِسِّينَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ لِلنَّارِ الَّتِي كَانَ اللَّهُ يَتَوَعَّدُهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ مُنْكِرِينَ، وَكَانُوا لِأَهْلِ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ مِنْ بَعْدِ الشَّبَابِ وَالْجَلَدِ شَاهِدَيْنَ، عُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا لَهُ مُعَايِنِينَ، مِنْ تَصْرِيفِهِ خَلْقَهُ، وَنَقْلِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ حَالِ التَّقْوِيمِ الْحَسَنِ وَالشَّبَابِ وَالْجَلَدِ، إِلَى الْهَرَمِ وَالضَّعْفِ وَفَنَاءِ الْعُمُرِ، وَحُدُوثِ الْخَرَفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015