القول في تأويل قوله تعالى: وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين يقول تعالى ذكره: وأما الذين جحدوا وحدانية الله، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهة، فيقال لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم فإن قال قائل: أوليست

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الجاثية: 31] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَأَبَوْا إِفْرَادَهُ فِي الدُّنْيَا بِالْأُلُوهَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي فِي الدُّنْيَا تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَتْ أَمَّا تُجَابُ بِالْفَاءِ، فَأَيْنَ هِيَ؟ فَإِنَّ الْجَوَّابَ أَنْ يُقَالَ: هِيَ الْفَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {أَفَلَمْ} [يوسف: 109] وَإِنَّمَا وَجْهُ الْكَلَامِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَوْ نَطَقَ بِهِ عَلَى بَيَانِهِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُقَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، فَأَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيُقَالُ لَهُمْ أَلَمْ، فَمَوْضِعُ الْفَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الْكَلَامِ، فَلَمَّا حُذِفَتْ يُقَالُ: وَجَاءَتْ أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ، حُكْمُهَا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً بِهَا، ابْتُدِئَ بِهَا، وَجُعِلَتِ الْفَاءُ بَعْدَهَا، وَقَدْ تُسْقِطُ الْعَرَبُ الْفَاءَ الَّتِي هِيَ جَوَابُ «أَمَّا» فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَحْيَانًا إِذَا أَسْقَطُوا الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ فِي مَحَلِّ جَوَّابِ أَمَّا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] فَحُذِفَتِ الْفَاءُ، إِذْ كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ فِي جَوَابِ أَمَّا مَحْذُوفًا، وَهُوَ فَيُقَالُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وجُوهُهُمْ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ، فَلَمَّا أُسْقِطَتْ، يُقَالُ الَّذِي بِهِ تَتَّصِلُ الْفَاءُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015