ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] قَالَ: " إِنَّ دَاوُدَ قَالَ: يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنَ الذِّكْرِ مَا لَوَدِدْتُ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي مِثْلَهُ، قَالَ اللَّهُ: إِنِّي ابْتَلَيْتُهُمْ بِمَا لَمْ أَبْتَلِكَ بِهِ، فَإِنْ شِئْتَ ابْتَلَيْتُكَ بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتُهُمْ بِهِ، وَأَعْطَيْتُكَ كَمَا أَعْطَيْتُهُمْ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: فَاعْمَلْ حَتَّى أَرَى بَلَاءَكَ؛ فَكَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، وَطَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكَادَ أَنْ يَنْسَاهُ؛ فَبَيْنَا هُوَ فِي مِحْرَابِهِ، إِذْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَطَارَ إِلَى كَوَّةِ الْمِحْرَابِ، -[65]- فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهَا، فَطَارَتْ، فَاطَّلَعَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَرَأَى امْرَأَةً تَغْتَسِلُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِحْرَابِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَتْهُ، فَسَأَلَهَا عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ شَأْنِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا غَائِبٌ، فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ تِلْكَ السَّرِيَّةِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ عَلَى السَّرَايَا لِيُهْلِكَ زَوْجَهَا، فَفَعَلَ، فَكَانَ يُصَابُ أَصْحَابُهُ وَيَنْجُو، وَرُبَّمَا نُصِرُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا رَأَى الَّذِي وَقَعَ فِيهِ دَاوُدُ، أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْقِذَهُ؛ فَبَيْنَمَا دَاوُدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مِحْرَابِهِ، إِذْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ؛ فَلَمَّا رَآهُمَا وَهُوَ يَقْرَأُ فَزِعَ وَسَكَتَ، وَقَالَ: لَقَدِ اسْتُضْعِفْتُ فِي مُلْكِي حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يَتَسَوَّرُونَ عَلَيَّ مِحْرَابِي، قَالَا لَهُ: {لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بُدٌّ مِنْ أَنْ نَأْتِيَكَ، فَاسْمَعْ مِنَّا؛ قَالَ أَحَدُهُمَا: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] «أُنْثَى» {وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا 00} [ص: 23] يُرِيدُ أَنْ يُتَمِّمَ بِهَا مِائَةً، وَيَتْرُكَنِي لَيْسَ لِي شَيْءٌ {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] قَالَ: إِنْ دَعَوْتُ وَدَعَا كَانَ أَكْثَرَ، وَإِنْ بَطَشْتُ وَبَطَشَ كَانَ أَشَدَّ مِنِّي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] قَالَ لَهُ دَاوُدُ: أَنْتَ كُنْتَ أَحْوَجَ إِلَى نَعْجَتِكَ مِنْهُ {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: 24] . . . إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] وَنَسِيَ نَفْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ الْمَلَكَانِ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، فَتَبَسَّمَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، فَرَآهُ دَاوُدُ وَظَنَّ أَنَّمَا فُتِنَ {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، حَتَّى نَبَتَتِ الْخُضْرَةُ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ -[66]- شَدَّدَ اللَّهُ لَهُ مُلْكَهُ "