وَقَالُوا: ذَلِكَ ابْتِدَاءٌ مِنَ اللَّهِ مَدْحَهُمْ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، لِأَنَّ قَوْلُهُ: {جَزَيْتُهُمْ} [المؤمنون: 111] قَدْ عَمِلَ فِي الْهَاءِ وَالْمِيمِ، وَالْجَزَاءُ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي مَنْصُوبَيْنِ، وَإِذَا عَمِلَ فِي الْهَاءِ وَالْمِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَلُ فِي «أَنَّ» فَيَصِيرَ عَامِلًا فِي ثَلَاثَةٍ , إِلَّا أَنْ يُنْوَى بِهِ التَّكْرِيرُ، فَيَكُونُ نَصْبُ «أَنَّ» حِينَئِذٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لَا بِقَوْلِهِ: {جَزَيْتُهُمْ} [المؤمنون: 111] ، وَإِنْ هِيَ نُصِبَتْ بِإِضْمَارِ لَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا كَبِيرُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا , وَجَزَاؤُهُ إِيَّاهُمْ وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ هُوَ الْفَوْزُ، فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يَشْرُطَ لَهُمُ الْفَوْزَ بِالْأَعْمَالِ , ثُمَّ يُخْبِرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَازُوا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا ذَكَرْنَا: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ الْجَنَّةَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَذَاكُمْ بِهَا، فِي أَنَّهُمُ الْيَوْمَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالْكَرَامَةِ الْبَاقِيَةِ أَبَدًا، بِمَا عَمِلُوا مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا , وَلَقُوا فِي طَلَبِ رِضَايَ مِنَ الْمَكَارِهِ فِيهَا