وَأَظُنُّهُ هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهِ اضْطِمَارُهُ مِنَ الْجُوعِ وَشِدَّةِ السَّغَبِ , وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اضْطِمَارًا مِنْ غَيْرِ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ , وَلَكِنْ مِنْ خِلْقَةٍ , كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ بِخَمَصِ الْبَطْنِ:
[البحر الكامل]
وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٍ لَيِّنٍ ... وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَدِ
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتَهَا بِقَوْلِهِ خَمِيصٍ بِالْهُزَالِ وَالضَّرِّ مِنَ الْجُوعِ , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفَهَا بِلَطَافَةِ طَيِّ مَا عَلَى الْأَوْرَاكِ وَالْأَفْخَاذِ مِنْ جَسَدِهَا , لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَدُ مِنَ النِّسَاءِ. ولَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْفِ بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَالِ مِنَ الضُّرِّ , مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر الطويل]
تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ ... وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: يَبِتْنَ مُضْطَمِرَاتِ الْبُطُونِ مِنَ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ وَالضَّرِّ , فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: فِي مَخْمَصَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْمَخْمَصَةُ: الْمَصْدَرُ مِنْ خَمَصَهُ الْجُوعُ. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ وَلَيْسَتْ بِمَصْدَرٍ؛ وَلِذَلِكَ تَقَعُ الْمَفْعَلَةُ اسْمًا فِي الْمَصَادِرِ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ