القول في تأويل قوله: ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد يعني بذلك جل ثناؤه: ونقول للقائلين بأن الله فقير ونحن أغنياء، القاتلين أنبياء الله بغير حق، يوم القيامة: ذوقوا عذاب الحريق، يعني بذلك: عذاب نار محرقة ملتهبة

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 182] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَنَقُولُ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، الْقَاتِلِينَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، يَعْنِي بِذَلِكَ: عَذَابَ نَارٍ مُحْرِقَةٍ مُلْتَهِبَةٍ، وَالنَّارُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْمُلْتَهِبَةِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُلْتَهِبَةَ، وَإِنَّمَا الْحَرِيقُ صِفَةٌ لَهَا، يُرَادُ أَنَّهَا مُحْرَقَةٌ، كَمَا قِيلَ: «عَذَابٌ أَلِيمٌ» يَعْنِي: مُؤْلِمٌ، وَ «وَجِيعٌ» يَعْنِي: مُوجِعٌ. وَأَمَّا قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182] أَيْ قَوْلُنَا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ بِمَا أَسْلَفَتْ أَيْدِيكُمْ، وَاكْتَسَبْتَهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَبِأَنْ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ، فَيُعَاقِبُ عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ الْعُقُوبَةَ، وَلَكِنَّهُ يُجَازِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ جَزَاءَ مَا عَمِلَ، فَجَازَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، فَأُخْبِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، بِمَا جَازَاهُمْ بِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَرِيقِ، بِمَا اكْتَسَبُوا مِنَ الْآثَامِ، وَاجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ، فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ مِنْ إِذَاقَتِهِمِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ظَالِمًا وَلَا وَاضِعًا عُقُوبَتَهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ جَلَّ ثناؤُهُ غَيْرُ ظَلَّامٍ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ الْعَادِلُ بَيْنَهُمْ، وَالْمُتَفَضِّلُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015