المتكلمين من حق، لكان بالنسبة إليه كنقرة عصفور بالنسبة لماء البحر؛ ذلك بأن القرآن هو الحق، وقد اشتمل على الحق والصدق والعدل والميزان العادل والقسط والصلاح والفلاح، فإن ذكر التوحيد والشرك، وأمر بالأول ونهى عن الثاني، أقام من البراهين القاطعة على صحة التوحيد وحسنه وتعينه طريقا للنجاة، وقبح الشرك وبطلانه، وكونه هو الطريق للهلاك، ما يجعل ذلك للبصيرة كالشمس في نحر الظهيرة.
وإن أمر بالأوامر الشرعية، وحث على الآداب ومكارم الأخلاق، رأيته ينبه العقول النيرة على ما اشتملت عليه من المصالح الضرورية، التي يحتاجونها في معاشهم ومعادهم، ما يجزم بأنه (?) لا أحسن منها، وأن حكمته تقتضي الأمر بها أشد اقتضاء.
وإن نهى عن المحارم والقبائح والخبائث، أخبر بما في ضمنها من الفساد والضرر، والشر الحاصل بتناولها، وأن نعمة الله عليهم بتحريمها عليهم وتنزيههم عنها، وتكريمهم وتعلية أقدارهم عن التلبس بها فوق كل نعمة، فالمأمورات مشتملات (?) على الصلاح، والمحرمات مشتملات (?) على المفاسد.
وإن شرع في الحجاج للمبطلين، وتزييف شبه المشبهين، وبطلان مذاهب الضالين، فقل ما شئت من إحقاق حق، ودمغ باطل، وإرشاد ضال، وإقامة الحجة على المعاند، وبيان أن الباطل لا يقوم لأقل شيء من الحق، بل هو على اسمه باطل لا حقيقة له، إن هي إلا أسماء يسمون بها الباطل إذا جردت، تبينت هباء منثورا.
ورأيته يسوق البراهين العقلية، بأوضح عبارة وأوجزها وأسلمها من الاعتراض والنقض والخفاء، فيجمع بين الدليل العقلي والنقلي في كلمة واحدة، إيجازا غير مخل بالمطلوب، وتارة يفصل ذلك، ويسرد من البراهين ما يكفي بعضه بالبيان. فلله الحمد والشكر.
فهذه مقدمة نافعة، إن شاء الله، ينبغي استقراؤها في [كل] مواردها، والتنبه لكل ما يرد من هذه المطالب على وجه التفصيل، فمن استعملها في كل ما يرد عليه من الآيات، انتفع بها نفعا عظيما. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.