[الْبَقَرَةِ: 185] وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَهُ كَانَ مُتَفَرِّقًا أَنْزَلَهُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 106] وَنَزَلَتْ سَائِرُ الْكُتُبِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفُرْقَانِ: 32] وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ، وَالْمُحْكَمِ وَالْمُؤَوَّلِ، وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ هُوَ النَّجَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فِي ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ فَبِالْقُرْآنِ وَجَدُوا النَّجَاةَ، / وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 53] .

معنى تسميته بالذكر:

ورابعها: الذكر، والتذكرة، والذكرى، أما الذكر فقوله: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [الْأَنْبِيَاءِ: 50] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الْحِجْرِ: 9] . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزُّخْرُفِ: 44] وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَّرَ بِهِ عِبَادَهُ فَعَرَّفَهُمْ تَكَالِيفَهُ وَأَوَامِرَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ ذِكْرٌ وَشَرَفٌ وَفَخْرٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَنَّهُ شَرَفٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمَّتِهِ، وَأَمَّا التَّذْكِرَةُ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [الْحَاقَّةِ: 48] وَأَمَّا الذِّكْرَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى:

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55] .

تسميته تنزيلًا وحديثاً:

وَخَامِسُهَا: التَّنْزِيلُ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشُّعَرَاءِ: 192- 193] .

وَسَادِسُهَا: الْحَدِيثُ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً [الزُّمَرِ: 23] سَمَّاهُ حَدِيثًا، لِأَنَّ وُصُولَهُ إِلَيْكَ حَدِيثٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُ بِمَا يُتَحَدَّثُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ بِهِ المكلفين.

وسابعها: الموعظة يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [يُونُسَ: 57] وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْعِظَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْآخِذُ جِبْرِيلُ، وَالْمُسْتَمْلِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ لَا تَقَعُ بِهِ الموعظة.

تسميته بالحكم والحكمة:

وَثَامِنُهَا: الْحُكْمُ، وَالْحِكْمَةُ، وَالْحَكِيمُ، وَالْمُحْكَمُ، أَمَّا الْحُكْمُ فَقَوْلُهُ: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا [الرَّعْدِ: 37] وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَقَوْلُهُ: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [الْقَمَرِ: 5] وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الْأَحْزَابِ: 34] وَأَمَّا الْحَكِيمُ فَقَوْلُهُ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: 1، 2] وَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَقَوْلُهُ:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود: 1] .

معنى الحكمة:

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحِكْمَةِ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِلْزَامِ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِكْمَةِ اللِّجَامِ، لِأَنَّهَا تَضْبِطُ الدَّابَّةِ، وَالْحِكْمَةُ تَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ.

وَتَاسِعُهَا: الشِّفَاءُ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] وقوله: وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ مَرَضِ الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ تعالى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015