فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ

[الْأَنْبِيَاءِ: 106] وَقَالَ: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى

[الْبَقَرَةِ: 73] أَيْ هَكَذَا يُحْيِي اللَّهُ الموتى، وقال: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: 17] أَيْ مَا هَذِهِ الَّتِي بِيَمِينِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ ذَكَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مُؤَنَّثٌ، وَهُوَ السُّورَةُ، / الْجَوَابُ:

لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ مُؤَنَّثٌ، لِأَنَّ الْمُؤَنَّثَ إِمَّا الْمُسَمَّى أَوِ الِاسْمُ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُؤَنَّثٍ، وَأَمَّا الِاسْمُ فَهُوَ (الم) وَهُوَ لَيْسَ بِمُؤَنَّثٍ، نَعَمْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَهُ اسْمٌ آخَرُ- وَهُوَ السُّورَةُ- وَهُوَ مُؤَنَّثٌ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ السَّابِقَ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤَنَّثٍ وَهُوَ (الم) ، لَا الَّذِي هُوَ مؤنث وهو السورة.

مدلول لفظ «كتاب» :

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ: أَحَدُهَا: الْكِتَابُ وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْقِيَامِ وَالصِّيَامِ وَقِيلَ: فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ كَاللِّبَاسِ بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ الْقُرْآنُ قَالَ: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ [ص: 29] وَالْكِتَابُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْفَرْضُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [الْبَقَرَةِ: 178] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [الْبَقَرَةِ: 183] إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النِّسَاءِ: 103] وَثَانِيهَا:

الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

[الصَّافَّاتِ: 157] أَيْ بُرْهَانِكُمْ. وَثَالِثُهَا: الْأَجَلُ وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [الْحِجْرِ: 4] أَيْ أَجَلٌ. وَرَابِعُهَا: بِمَعْنَى مُكَاتَبَةِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النُّورِ: 33] وَهَذَا الْمَصْدَرُ فِعَالٌ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ كَالْجِدَالِ وَالْخِصَامِ وَالْقِتَالِ بِمَعْنَى الْمُجَادَلَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ، وَاشْتِقَاقُ الكتاب مِنْ كَتَبْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَسُمِّيَتِ الْكَتِيبَةُ لِاجْتِمَاعِهَا، فَسُمِّيَ الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ كَالْكَتِيبَةِ عَلَى عَسَاكِرِ الشُّبُهَاتِ، أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمِيعُ الْعُلُومِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَ فِيهِ التكاليف على الخلق.

اشتقاق لفظ «قرآن» :

وَثَانِيهَا: الْقُرْآنُ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ [الْإِسْرَاءِ: 88] إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزُّخْرُفِ: 3] شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [الْبَقَرَةِ: 185] . إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الْإِسْرَاءِ: 9] وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَةَ وَاحِدٌ، كَالْخُسْرَانِ وَالْخَسَارَةِ وَاحِدٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

[الْقِيَامَةِ: 18] أَيْ تِلَاوَتَهُ، أَيْ إِذَا تَلَوْنَاهُ عَلَيْكَ فَاتَّبِعْ تِلَاوَتَهُ: الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّ الْحُرُوفَ جُمِعَتْ فَصَارَتْ كَلِمَاتٍ، وَالْكَلِمَاتُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ آيَاتٍ، وَالْآيَاتُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ سُوَرًا، وَالسُّوَرُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ قُرْآنًا، ثُمَّ جُمِعَ فِيهِ عُلُومُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِقَاقَ لَفْظِ الْقُرْآنِ إِمَّا مِنَ التِّلَاوَةِ أَوْ مِنَ الجمعية.

معنى الفرقان:

وَثَالِثُهَا: الْفُرْقَانُ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ [الْفُرْقَانِ: 1] . وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015