تفسير قوله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)

قال الله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]، كنت في الدنيا تدلس، كنت في الدنيا تكتم وتخفي، كنت في الدنيا تسعى لأخذ حقوق الناس، كنت وكنت، فهذا كتابكم لا مبدل لما كتب عند الله سبحانه تبارك وتعالى، {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}.

فصحيفة الأعمال تتلى أمامه، ولذلك ينطقون ويقولون: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]، فكل شيء يفعله الإنسان من صغائر الذنوب، أو من كبائر الذنوب يراها أمامه، ما كان يظن أن شريط التسجيل على هذه الهيئة، فالإنسان وهو في الدنيا لو سُجلت عليه كل أعماله التي يعملها، فإنه يستحي من ذلك، ولو قيل له: سنسجل عليك كل أعمالك في هذا اليوم، لخاف وخجل من أي فعل قبيح يقدم عليه، فكيف بيوم القيامة وقد سجلت عليه كل صغيرة وكل كبيرة! لذلك الإنسان المؤمن يعتصم بالله سبحانه، فلا ملجأ ولا منجأ من الله إلا إليه، والإنسان مهما يحاول وحده لا يقدر على شيء إلا أن يعينه الله، فيتضرع إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، ويتوسل إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، ويكثر من ذكر الله، ويكثر من الاستغفار، فإن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، قال تعالى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون:62].

قوله تعالى: ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) (نستنسخ) إذا كان الإنسان قد وصل في النسخ إلى درجة من الدقة يستطيع أن ينسخ كتاباً من كتاب آخر تماماً، وإذا كان وصل بالكمبيوتر والإسكانر والنسخ واللصق إلى أنه ينسخ الكتاب بمثله تماماً، فكيف بملائكة الله سبحانه تبارك وتعالى وهي تسجل على الإنسان كل صغيرة وكبيرة؟! وكيف بالله سبحانه إذا كتب عليك ما تعمله وما تصنعه، وما تريده، قال سبحانه، ((إِنَّا))، بنون العظمة، وتخيل عندما يعبر ربنا بذلك: ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))، فليس هناك شيء يفوت على الله سبحانه، ولا من صحف العباد يوم القيامة: ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))، فالملائكة تكتبه وتصعد به إلى ربها سبحانه، ويقولون: فعلوا كذا، وفعلوا كذا، والله أعلم بذلك من ملائكته ومن خلقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015