تفسير قوله تعالى: (وترى كل أمة جاثية)

قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:28]، أي: يوم القيامة يقفون بين يدي الله عز وجل، وتأتي عليهم ساعة يتضرعون، فيجثون على الركب، كهيئة الذليل، يقال: جثا على ركبتيه، بمعنى: برك كما يبرك الجمل، وكأن الذي منه على الأرض أطراف أصابع رجليه وأصابع يديه، وهو على الأرض على هذه الهيئة، فهو قاعد قعدة ليست مريحة، ولكن قعدة فيها الذل، وفيها الاستعداد للقيام، وفيها استعداد للنهوض، وكأنه جالس يتوسل، جالس يستغيث في هذا الوقت، يقول سلمان رضي الله عنه: إن في يوم القيامة لساعة هي بمقدار عشر سنين من الدنيا، يخر الناس فيها جثياً على ركبهم، حتى إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقول في ذلك اليوم: لا أسألك اليوم إلا نفسي.

ففي هذا الوقت يستغيث الخلق بالله عز وجل، في موقف رهيب وعظيم، والناس وقوف في وقت قدره خمسون ألف سنة، خمسون ألف سنة قدر يوم القيامة! الإنسان عندما يعد اليوم، ويعد الشهر، ويعد السنة، ويعد العمر، سيحس أن عمره طويل، وهذا العمر الطويل الذي عاشه لا يساوى شيئاً من يوم القيامة، خمسون ألف سنة والناس على أقدامهم في أرض المحشر، فتمر على الإنسان فيه صور كثيرة جداً، كيف أنه قصر في الدنيا والآن يحاسبه ربه سبحانه، والناس أمامه يعذبون في الموقف، فالمانع للزكاة الذي منع زكاة إبله، أو زكاة بقره، أو زكاة غنمه، تمر عليه وتطؤه بأقدامها وأظفارها، فيعذب بها، فيرى الإنسان هذه المشاهد أمامه، ويا ترى! ماذا عمل كل واحد منا؟! خمسون ألف سنة حتى إن البعض من الناس ليقولون لله عز وجل: يا رب! اصرفنا ولو إلى النار! يظنون أنهم إذا صرفوا إلى النار استراحوا.

وفي هذا الموقف العظيم يؤتى بالنار لها سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك -نسأل الله العفو والعافية- والجميع يخافون ويرعبون مما يرون، ويستغيثون بالله سبحانه تبارك وتعالى.

قال تعالى: ((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا))، فالآن هذا رسولكم الذي جاءكم، وهذا كتابكم، وهذه صحف أعمالكم ستلقى عليكم فخذوها فتتطاير الصحف، وكل يأخذ كتابه، فآخذ بيمينه فناج، وآخذ بشماله فهالك والعياذ بالله، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ} [الجاثية:28] أي: يوم القيامة: {تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فما فات من الدنيا فاليوم عليه الحساب، والجزاء على ما تصنعون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015