تفسير قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)

ثم قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40] هذه سيئة وهذه سيئة، ولكن الفرق بينهما أن الأولى جرم من صاحبها، فهي سيئة ساءت غيره.

والثانية: عقوبة لهذا الظالم الذي يستحق العقوبة، وسميت الثانية سيئة كمشاكلة لفظية، وأن فيها إساءة للظالم فعومل بما يسوؤه ويزعجه ويؤدبه ويردعه، (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) أي: جزاء الإثم والإجرام: العقوبة، والعقوبة حسنة وليست سيئة، لكن بالنظر من ناحية المجرم، فحين وقعت العقوبة عليه أساءت إليه وقبحته أمام الناس.

وهنا معنى المشاكلة اللفظية: أن اللفظة هي اللفظة، ولكن تختلفان في المعنى، فجزاء الإساءة من الإنسان أن يعاقب على إساءته، وتأول العلماء هذه الآية على أن للإنسان أن يأخذ ماله ممن أخذ منه هذا المال بأي صورة من الصور، طالما أن هذا مالك بعينه، ولست متأولاً فيه، فلو أن إنساناً وجد حقيبتك وأخذها ثم خبأها فقلت: هات الحقيبة التي أخذتها، فقال: لن أعطيك شيئاً، وأنت عرفت المكان الذي خبأها فيه، فكسرت المكان وأخذت الحقيبة، فيجوز لك ذلك؛ لأن المال مالك بعينه ولست متأولاً.

وصورة التأويل التي يقع فيها الظلم: إنسان يعمل عند شخص، واتفق معه على أن يعطيه عشرة جنيهات في اليوم، فوجد أنه يبذل شغلاً أكثر مما يبذله غيره، وغيره يأخذ مالاً أكثر منه، فتأول لنفسه وقال: أنا أستحق أن آخذ مثلما يأخذون، إذاً سأستخرج من ماله، وهذا لا يجوز؛ لأنك متفق معه أصلاً على مقدار معين، فلا يجوز لك أن تأخذ أكثر منه إلا إذا أعطاك صاحب العمل.

فتأول العلماء على أن للمظلوم أن يأخذ حقه ممن ظلمه، ولو عنوة، ولو بالقوة، ولو بالشكوى، ولو بأن يمد يده ويأخذ هذا المال، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة عظيمة، وفي هذا نظرتان: نظرة أنك عند الله مظلوم فلك هذا الشيء.

ونظرة أخرى أنك تعامل على الظاهر، فالقاضي ليس مطلوباً منه أن يتفهم موقفك وبأن هذا مالك.

قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) فهذا في القصاص، فإذا ضرب إنسان إنساناً وجرحه أو قطع عضواً من أعضائه، فجزاء السيئة القصاص إذا كان مما يقتص فيه.

فإذا عفا أولياء المظلوم أو من أسيء إليه فلهم الأجر على عفوهم، والعفو -كما ذكرنا- يكون عن الإنسان الذي حدثت منه السيئة فلتة، ليس مجرماً أصلاً، أما إذا كان محارباً لدين الله ولرسوله، فلا يعفى عن مثل هذا الإنسان قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].

قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ) أي: ترك القصاص، وأصلح بين الظالم والمظلوم فله أجره عند الله سبحانه وتعالى.

وذكرنا أن القصاص ليس فيه مقابلة القصد بالقصد، فلو أن إنساناً قال لإنسان: يا ابن كذا! فسب أباه، فيرد عليه ويقول: لا، أنت ابن كذا، فهذا خطأ، فليس لك أن تقتص في مثل ذلك، وإنما هذا يعزر بما يليق به من ضرب أو سجن أو بما يحكم الحاكم فيه.

قال تعالى: (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فالظالم بغيض إلى الخالق سبحانه وتعالى، كما أن الناس لا يحبونه، فالله سبحانه وتعالى يبغضه، والله أعد له نار جهنم التي أعدت للظالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015