قال تعالى: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} [الشورى:15] أي: لنا مرجع إلى الله عز وجل، يجازينا ويحاسبنا، فالكاذب والكافر يدخله الله عز وجل النار، والمؤمن التقي يدخله الله عز وجل الجنة، فالله يجمع بيننا يوم القيامة للحساب.
فإن الدنيا فيها الخصومة والمجادلة، والذي صوته أعلى يغلب، فلا بد من حكم يحكم بين الاثنين، وقد يميل الحكم إلى هؤلاء وقد يميل إلى هؤلاء، ولكن في الآخرة لا يوجد مثل ذلك، فالله هو الحكم العدل سبحانه وتعالى، والله وحده يحكم بين عباده، وهو الذي يجمع بيننا ليحكم بين عباده يوم القيامة، وليجزي الظالم على ظلمه، وليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بخير جزاء على ما قدموا وعملوا، فإن يوم القيامة يوم الجمع، قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] أي: ذلك يوم التغابط، ذلك يوم القيامة، يجمع الله بين عباده، ويجتمع الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والمؤمن والكافر، والشقي والتقي، الجميع عند الله عز وجل في موقف واحد، والذكر والأنثى والصغير والكبير، الكل بين يديه، فيفصل بينهم سبحانه وتعالى بالحكم العدل.
قال تعالى: ((اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) أي: إلى الله مصير العباد، وكل يسير في طريقه، وفي النهاية الموت يجمع الجميع، والكل يسير إلى الآخرة، فمنهم من يدخل الجنة، ومنهم من يدخل النار، والله أعلم بحال عباده، فالعقيدة في قلب الإنسان المؤمن أن يؤمن بالله سبحانه وتعالى، وأن الله هو المعبود، وأنه الرب الخالق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله سبحانه أنهم يطيعون الله، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
ويؤمن أن الجنة فيها ملائكة، ويتنعم الخلق بما يفيضه الله عز وجل عليهم من رزق وبركات وتسليم الملائكة عليهم، بل ويسلم عليهم ربهم في جنة الخلود، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
ويؤمن أن النار فيها ملائكة، قال تعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، نسأل الله العفو والعافية، فالإيمان يجعل المؤمن خائفاً من لقاء الله سبحانه؛ لأنه يؤمن بيوم القيامة وأن الله إليه المصير، وأن الله يجمع الخلق يوم القيامة، فهو آمن وصدق وأقر واعترف، فلا بد من العمل طالما أنك مؤمن فاعمل لهذا اليوم، فالإيمان يدفع العبد للعمل، والإيمان بالله يدفعه لحب الله وتوحيده، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يدفعه لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]، والإيمان بكتب الله سبحانه، يعني: يأخذ شرع الله من كتابه ويقر بالكتب السابقة كلها، ويعتقد أن هذا القرآن العظيم شاهد ومهيمن على الكتب السابقة، ويعمل بما في هذا الكتاب، فهنا الإيمان يدفع للعمل بشرع الله، وللاقتداء بسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، وللخوف من لقاء الله يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37].
كذلك يؤمن بالقضاء والقدر: أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا آمن بالقضاء والقدر كان كل ما ينزل عليه سهلاً على نفسه؛ لأن الله قدر ذلك، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، كما أخذ هذا الميت سيأخذني أنا أيضاً، فلا أحزن حزناً شديداً يدفعني للسخط على قدر الله، فلا بد أن أرضى بقضاء الله وقدره، وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلنا ملك لله سبحانه، هو خلقنا، وهو يملكنا سبحانه، وإليه نرجع ليجازينا.
وقد كان بين وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عدة أشهر، ولم يكن يعرف متى يموت صلى الله عليه وسلم، مات ابنه قبله صلى الله عليه وسلم حتى يصبر على فقدانه، ولا يطول عليه الأمر حتى يموت هو بعد ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
فالإنسان يفكر: إذا مات فلان فإنني سأموت بعده، فلماذا أتسخط على قضاء الله سبحانه؟ أنا راجع إلى الله وسيجازيني، فالإنسان يصبر نفسه، قال تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فالإنسان المؤمن يصبر لأن الدنيا فانية، فالله قبل ألف وأربعمائة سنة قال: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل:1]، فعلى المسلم أن يصبر نفسه، ويواسي نفسه، حتى لا يتسخط على قضاء الله وقدره، وحتى يرضى بقضاء الله سبحانه، وحتى ينال أعظم الأجر عند الله.
نسأل الله من فضله ومن رحمته فإنه لا يملكها إلا هو.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.